رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثامن والثلاثون
وقفت محدقة إلى جيمي الذي يقف على طرف المسبح وتحركاته غريبة، و شارلي الذي كان يبدو منفعلا وهو يحرك كلتا يديه مشيرا إلى أمر معين!
تمعنت النظر بقلق وقد ضيقت عيناي بتركيز لتتسعا فوراً بذعر وأنا أرى جسد صغير في المسبح!
ب. بريتني؟ إنها هي!
أطلقت العنان لقدماي بالركض لأسابق الريح متجاوزة ستيف بخوف.
برتني في المسبح! هل انزلقت؟ منذ متى؟ يا الهي على أن أسرع.
ركضت بأسرع ما لدي بنبضات قلب متسارعة بخوف حتى انني تعثرت في نهاية الدرج بقوة، لم يكن الأمر وكأنني أكملت طريقي بل أنني قفزت بسرعة دون شعور وركضت حتى خرجت أنزل درجات المدخل متجهة للمسبح بأنفاس متقطعة.
كما توقعت.
شارلي وجيمي يصرخان بإسمها محاولان مساعدتها وكلاهما يبكي!
صرخت بحزم وخوف: ابتعدا عن المسبح حالاً.
التفتا إلى ليصرخ جيمي: أمي. بريتني لا تستطيع الخروج!
ابعدتهما بحزم ونظرت لبريتني لأشهق بذعر وريبة.
إ. إنها لا تتحرك، لا يمكنني رؤية أي مقاومة!
دون تفكير.
قفزت بسرعة ليغوص جسدي في الماء البارد، شهقت بشدة وفغرت فاهي غير مصدقة لبرودة مياه المسبح ولوهلة شعرت بأنني سأفقد طاقتي كلها وسيتجمد جسدي تماماً! واجهت صعوبة في تحريك جسدي ومع ذلك اتجهت إليها لأمسكها وأسحبها معي ولكن.
أحسست بوخز غريب وقوي في ساقي!
بنظرة فضول سريعة أدركت أن قدمي قد جُرحت!
ولكن. كيف!
أتى الجواب سريعا وأنا أنظر إلى إحدى الأخشاب الحادة الموجودة على طرف المسبح والعالقة في السلم.
هل كانوا يلعبون بأمور خطيرة كهذه!
تجاهلت الأمر وأسرعت أضع بريتني على أرضية المسبح لأسمع ستيف ينادي بإسمي مسرعا نحوي. كان جيمي وشارلي يبكيان ويقفان بخوف وكل منهما قد تورد وجهه بشدة.
انحنيت لأتفقد النبض لدى بريتني. يوجد نبض ضعيف، لست بحاجة للضغط على صدرها سيكون التنفس الإصطناعي كافِ، ابتلعت الماء ولا بد وأن رئتيها قد امتلأتا به. وضعت يدي أسفل أنفها. هي لا تتنفس!
اسرعت اعطيها التنفس الإصطناعي مرارا وتكرارا وشعرت بوقوف ستيف المنذهل! عاودت اعطيها التنفس في حين تساءل ستيف بذعر: ما الذي كنتم تفعلونه هنا! جيمي. الم يحذرك أباك مرارا وتكرارا من الإقتراب من المسبح؟ ألا تعلم بأنه سيغضب!
أجابه جيمي باكياً: لقد انزلقت وحاولنا مساعدتها ولم يسمعنا أحد.
اقتضب ستيف وهو يجثي بجانبي ينظر إلى بريتني: هل هي بخير؟
اقتربت لأعطيها التنفس الإصطناعي للمرة الخامسة وقبل ان افعل ذلك سعلتْ أخيراً بقوة وبدأت تخرج الماء من فاهها.
دمعت عيناي بفرح وقلق في آن واحد وتساءلت بتلعثم: هل أنتِ بخير؟!
ظلت تسعل فرفعتها عن ارض المسبح أعانقها هامسة بصوت مرتجف جراء البرودة: علينا تدفئة جسدها بسرعة.
بدأ جيمي وشارلي بالبكاء فجأة بصوت أعلى مما سبق، نظرتُ إلى بريتني مجددا ابعد شعرها الأشقر القصير عن وجهها لتبدأ باستعادة وعيها، بدت تدرس المكان من حولها قبل ان تنهار وتبكي بخوف والشحوب باد على وجهها.
لا بد ان تلك اللحظات كانت مرعبة بالنسبة لها! لقد شعرتْ بالخوف والوحدة. طفلة تعرضت للغرق لا بد وأنها ظنت أن منقذها الذي جال في خاطرها قد تخلى عنها!
حاولت أن اتمالك نفسي ولكن عيناي ظلتا تدمعان، هدأتها مبتسمة من بين دموعي: أنتِ بخير يا عزيزتي. لا تقلقي. أنا هنا!
استمرت في بكائها وقد عانقتني بضعف فهمست لها: كل شيء على ما يرام. أنتِ بخير.
أضفت انظر لستيف بجدية: علينا تدفئة جسدها ورفع حرارتها، الماء كان بارد جداً هذا خطر على صحتها. أخبرهم ان يستبدلوا ملابسها فوراً ويبقوها أمام المدفأة ويلفو جسدها بأي غطاء سميك.
اومأ فوراً وأخذها من بين يداي ليحملها ويتحرك بها متجها إلى المنزل، نظرت إلى ساقي بألم. إنها تنزف، لقد تمزق بنطالي!
كما أشعر بالوهن فجأة بسبب البرد الشديد. جلست وزفرت الهواء لأرى البخار الكثيف وقد ارتجفت شفتاي بقوة، حاولت استعادة أنفاسي للحظات حتى انتفضت بذعر للبكاء الذي تعالى من شارلي وجيمي الذي قال بخوف وهلع: أبي.
رفعت رأسي أنظر إلى الأمام لأرى كريس يقترب بخطى سريعة واسعة. يبدو أن الجميع على علم بما حدث. ربما سيكون عليهم نقل بريتني للمشفى للتأكد من سلامتها جيداً.
وصل كريس وقد اختبئ جيمي خلفي بذعر في حين وقف شارلي مرتبكاً محاولاً أن يتوقف عن البكاء كما أنه تحرك بضع خطوات مبتعداً ولكن كريس أشار له بيده بحزم وعين حادة أن يعود مكانه ففعل فوراً.
تساءلتُ بإهتمام: هل والدها وشقيقها يعلمان بالأمر؟
أومأ وهو يحدق إلى ساقي بدهشة، نظرت أنا كذلك نحوها متنهدة بعمق. النزيف قد زاد، على إيقافه حتى لا يأتي هذا بنتيجة عكسية علي. بصراحة أشعر بالدوار قليلاً! انا واثقة ان هذا نتيجة لنزولي إلى المسبح في هذا البرد القارص.
طرفت بعيني ببطء أحدق إلى كريس الذي امسك بساقي ونظر إليها بتمعن ثم قال بحزم: لنذهب إلى المشفى.
عيناه العسليتان لمعتا ببريق ترك أثراً كالخدر في جسدي. تسمرت عيناي عليه ببلاهة اتلذذ بهذه النظرات القلقة وأرتشف القليل من اهتمامه.
عقد حاجبيه وهو ينظر إلى ساقي بنفاذ صبر: هل تستطيعين التحرك؟ هل أحملك؟
نفيت وانا على حالي كالبلهاء: ر. ربما سأكتفي بوضع مطهر للجروح و.
هل أنت حمقاء؟ الجرح ليس بسيطاً ليكفيه مطهرا وضمادة صغيرة، ينبغي أنك تعلمين هذا أيتها الممرضة!
شدد على كلماته الأخيرة بغضب فأجفلت بحيرة!
لا يمكن لأي شخص لومي. ففي لحظة الخدر هذه نسيت كل المعلومات التي اكتسبتها والخبرة التي نلتها طوال سنوات الدراسة. بل أن أي شخص عادي سيعلم ان جرح كهذا بحاجة إلى المشفى.!
نظر من حوله محدقا إلى المسبح وحينها لمحت ستيف الذي عاد مهرولاً، وصل لاهثاً: رين سيأخذ بريتني إلى المشفى ليطمئن عليها أكثر. يبدو غاضبا جداً.
أومأت مؤيدة: هذا أفضل عليه ان يطمئن بشأن حرارتها وما إن كانت تواجه مشاكل أخرى في مجرى التنفس أو الرئة.
قال كريس بحزم أجفلني: ما الذي كنتم تفعلونه أمام المسبح؟ من أحظر كل هذه الأخشاب هنا؟
نظر جيمي وشارلي إلى بعضهما بتوتر وظل جيمي يقف خلفي متمسكاً بي بهلع واضح وقد شحب وجهه، ابتسمت بهدوء: لابد أنها انزلقت وحسب، إنها مجرد حادثة والمهم أنها بخير.
رمقني بغضب فأشحت بوجهي اطرف بعيني بارتباك وقلق، زفر ليقول بنبرة عالية: اعترف يا جيمي!
اجفل جيمي والتصق بظهري أكثر ليتدخل شارلي الذي تلعثم بدوره بخوف: ل. لقد كنا نلعب بالقرب من المسبح. ثم وقعت بريتني!
احتدت عينا كريس: نعم من المتوقع سماع أمر كهذا. ألم أقل مسبقا بأنه لا يمكنكم الإقتراب من منطقة الشواء أو المسبح! ألم أقل هذا؟!
قال جملته الأخيرة بسخط فانفجر جيمي باكيا مفجراً طبلة أذني معه!
همس شارلي بخوف: نعم. قلتَ هذا.
لماذا تجاهلتماني إذاً!
أجابه جيمي بأنفاس متقطعة: أبي. لم نكن ننوي الدخول للمسبح.
وما هذه الأخشاب إذاً!
لقد أخذنا بعض الأخشاب من الملحق الخلفي وأردنا صنع قارب صغير ولكن بريتني وقعت في الماء وعجزنا عن انقاذها.
همست مهدئة: يكفي يا جيمي. كف عن البكاء!
عانقني بقوة وكأنه يحاول اختراق ظهري هاربا من نظرات كريس!
علق الأخير بحدة: وهل هذه الحجة ستشفع لكم؟ ماذا لو لم يتم انقاذها! ماذا لو تأخرت والدتك قليلا؟
آسف.
همس شارلي مطأطأ الرأس: لن نأتِ إلى هنا مجدداً.
زفر كريس متمالكاً نفسه وتجهم: عداني.
نعدك.
قالاها بسرعة فأشار للمدخل: اذهبا إلى آنا واجلسا معها، ومنذ هذه اللحظة ستبقى معكم إحدى الخادمات لتراقبكم أثناء اللعب لاحقاً. لمدة أسبوع كامل لا يوجد لعب أو خروج من المنزل يا جيمي بعد العودة من المخيم. وأنت يا شارلي سأخبر والديك بما تفعله ليتفاهما معك.
تدخل ستيف بتردد: انت تعلم بأن والديه عصبيان يا كريس. هل اخبارهما ضروري؟
ولكنه ظل يشير للمدخل وزمجر: إلى الداخل.
أسرع الإثنان إلى الداخل بوجوه مستاءة، نظرت إلى ساقي والدماء التي تسيل منها وحينها شهقت بدهشة عندما ارتفع جسدي في الهواء دون سابق انذار!
حملني بين يديه وقال مشيراً برأسه نحو المنزل: ستيف أحضر ملابساً ومعطفاً وحقيبة صغيرة. سأنتظرك في السيارة.
أومأ ستيف فوراً وغادر ليعود إلى المنزل في حين كنت مشغولة في الإنصات إلى الحان عزف قلبي الذي رفرف بسرور وخجل.
أشعر أنني ريشة تحملها الرياح بنعومة وتسافر بها إلى محطات السعادة! بل وردة الهندباء التي تنثر الريح أزهارها البيضاء بكل خفة وسلاسة فوق التلال تحت ضوء القمر!
لم أشعر بنفسي وأنا أحدق إليه عن قرب أسرق كل فرصة في تأمله وإشباع عيناي قدر الإمكان.
حينها سألته بنبرة منخفضة عاجزة عن إبعاد عيناي عنه: يمكنني المشي وحدي. لا يجب أن تجهد نفسك.
في الحقيقة بدوت كفتاة مريضة ترفض دواءها بنفسها. رغم حاجتها الماسة لتروي جسدها وكل خلية فيه لتملأ روحها ونفسها بالطاقة. وكأن روحها الجدباء متعطشة إلى دوائها ومع ذلك مترددة في التمسك به.
سرت قشعريرة في جسدي عندما التقت عيناه بعيناي ولم يعلق على ما قلته. كريس هو دوائي. إنه حاجتي. الشخص الوحيد الذي أريده وأعجز عن رؤية النظرة القلقة منه موجهة إلى امرأة غيري.
حتى إن كانت أنانية مني. فهذا المطلب من حقي.
أريد أن أكون الوحيدة التي يرى فيها ألوان حياته، انا وحسب.
أظن رغبتي في امتلاك كريس لي وحدي حق مشروع. لست أطلب الكثير فأنا واقعة في حبه وصبرت على تصرفاته الجامدة. لا زلت أتمنى لو أسمع منه ولو اعتراف بسيط يشفي لهفتي. هذا إن بدأ يحبني حقاً.
وصلنا إلى موقف السيارات وحينها أنزلني وبدى وكأنه استوعب أمراً ما ليهمس مفتشاً جيوبه معطفه وبنطاله: المفتاح!
لا بد وانه لم يحظره. لم يخطط أحدنا للخروج على أي حال.
نظر إلى للحظة قبل ان ينظر للخلف وقال: انتظري قليلا سأحظر ال.
ولكن وصول ستيف ممسكاً بالحقيبة جعله يتوقف وقد غير دفة الحديث نحوه: ستيف ابقى هنا ريثما أحضر مفتاح سيارتي.
ابتسم ستيف بثقة وهو يرفع في يده مفتاحاً: لتعلم فقط أنني شاب سريع البديهة لن يكرره التاريخ.
نفيت برأسي بسخرية ليأخذ كريس المفتاح فوراً ويفتح السيارة، جلست بجانبه ليظل ستيف واقفا ممسكا بالحقيبة ومعطفاً في يده بالإضافة إلى وشاح قد ناوله لكريس الذي فتح نافذتي ليأخذه ويلفه حول عنقه، ابتسم ستيف: ولتعلم أيضاً انني شخص رحيم لأرأف لحالك.
ثم فتح الباب الخلفي ووضع الحقيبة بينما ناولني المعطف فهمست: شكراً جزيلاً.
أغلق الباب وظل واقفاً ينظر إلينا، وضع يديه على خصره ليقول بجدية: أرجو ان تجيب على اتصالي لأطمئن. صدقني أمي أيضاً لن ترحم هاتفك.
أومأ كريس وهو يعيد السيارة للخلف: أخبر تيا ألا تزعجني هي أيضاً.
ضحك ستيف: هذا مستحيل. ولكنني سأطمئنها وأخبرها أن شارلوت هي المصابة حتى لا تقلق.
اتسعت عيناي: ياللقسوة!
ابتسم ملوحاً فقلبت عيناي بغيض، هذا الخَطِل!
حرك كريس السيارة فأغلقت النافذة لئلا اتعرض للهواء البارد أكثر. أريد تغيير ملابسي فوراً لم أعد أستطيع تحمل رطوبتها وبرودتها!
اتسعت عيناي عندما انتزع المعطف من يدي والقاه على كتفي بشيء من الخشونة ونفاذ الصبر: صُنع ليتم ارتدائه. ما الذي تنتظرينه!
طرفت ببلاهة ولمست المعطف الذي القاه على كتفي أمرر أناملي عليه بشرود قبل ان ارتديه ببطء! ارتد جسدي للوراء عندما قاد السيارة بسرعة مبالغة فقلت بارتياب: لحظة واحدة! نحن لم نخرج من المنزل حتى، تريث قليلاً لا داع للسرعة!
ساقك تنزف.
نظرت لساقي التي لم تتوقف عن النزيف وقلت باعتراض: ولكن. سنموت قبل الوصول للمشفى!
أطبق شفتيه ولم يعلق فالتزمت الصمت أنا أيضاً.
خرجنا من المنزل واتجه نحو الطريق العام، كنت أنظر إلى ساقي وقد قلقت بشأن سيارته التي أفسدتها بدمائي! سمعته يهمس بنبرة غريبة: أنتِ من ذلك النوع إذاً.
نظرت إليه بعدم فهم فأضاف يختلس نظرة سريعة: لم تتأوهي حتى الآن.
لا تخبرني أنك تريد مني البكاء والتأوه طوال الوقت!
رسم ابتسامة صغيرة: من يريد هذا.
ثم عاود يرمقني بنظرة هادئة قبل أن يهمس: لا أريد رؤيتكِ تبكين أو تتألمين.
ظننت أن توقف الزمن يحدث في لحظات الخوف والهلع أو الإرتباك الشديد. ولكنه يحدث في حالات السعادة المفرطة كما أشعر الآن!
وكأن الزمن يقوم بتسجيل هذه اللحظة بكل تفاصيلها وبدقة متناهية ليحفرها في مخيلتي وينقشها على باب اللحظات الثمينة في ذاكرتي.
شعرت بحرارة وجنتاي وانا أنظر إلى ساقي بتوتر شديد.
لا يريد رؤيتي. أبكي؟ لن أبالغ لو قلت أن هذا أجمل ما سمعت طيلة حياتي! ان يتفوه الشخص الذي وقعت أسيرة له بكلمات كهذه. إنه نعيم هذه الحياة!
ازدردت ريقي بصعوبة ونظرت نحو النافذة عاجزة عن إخفاء ابتسامتي عن ثغري الذي يرتجف دون توقف من البرد القارص الذي يتخلل عظامي.
وصلنا أخيرا إلى المشفى فأوقف السيارة أمام المدخل وترجل ليساعدني على النزول بعد أن أخذ الحقيبة من الخلف.
كنت أمشي بجانبه وأنا أشعر بأن جسدي خفيف جداً!
نصف ثقل جسدي. بل كله حملاً على كريس.
حتى هذا جعلني أخفض رأسي طوال الوقت والإحراج ينتابني لمجرد موقف بسيط كهذا، إنني أحلق وأنطلق فوراً كعصفورة صغيرة تشعر بالحماس لإستخدام جناحيها. فقط لأصغر فعلة لطيفة قد تبذر منه.
بعد ساعة أو أكثر.
جلست وحدي في إحدى غرف المشفى، على السرير الأبيض بابتسامة هادئة الف المعطف بقوة حول جسدي الذي لا يتوقف عن الإرتجاف، بالرغم من أنني قمت بتغيير ملابسي بأخرى جافة إلا أنني لازلت أرغب في دس جسدي أسفل أكثر من عشر أغطية. نظرت إلى أظافري المُزرقة قبل أن أوجه نظري إلى الضمادة الملتفة حول ساقي وقد ثنيت البنطال لأرفعه عن الجرح.
قال الطبيب بأن جرح كهذا يحتاج إلى التطهير حتى يلتئم تماماً، وبأنه لا داعي للقلق لأن الأنسجة لم تتضرر. إلا أنني كنت أنزف كثيراً بسبب وجود الجرح في منطقة عضلية.
فُتح الباب فنظرت باتجاهه فوراً، دخل بوجه ممتعض قليلاً ممسكاً بكوب كبير ورقي يتصاعد منه البخار الكثيف، أسرع يضعه على المنضدة بجانبي ثم التقط منديلاً يمسح به يده هامساً: ساخن جداً.
ارتفع حاجباي: هل أنت بخير؟
أومأ إيجاباً ثم تنهد ليجلس على السرير بجانبي فنظر كلانا للأمام بصمت. إلى النفاذة تحديداً.
أن يحملني بين يديه. لا يبالي بممتلكاته التي أفسدتها بدمائي. يحمل معظم ثقل جسدي لئلا أضغط على نفسي أو أرهق نفسي. والآن قد ذهب ليشتري هذا الشراب الساخن.
كيف لي ألا أشعر بالسعادة؟ ابتسمتُ وقد ترجم ثغري جزءاً صغيراً من الدفء الداخلي الذي ينتابني.
ليت الأمور تتطور أكثر. ليتها تأخذ مجرى ألطف بيننا ولا يعكر صفوها أي شيء. أو أي شخص.
مد يده يأخذ الكوب ليناولني إياه بهدوء: اشربيه قبل أن يبرد.
لم أعلق بسبب سيطرة تلك الإبتسامة على ثغري، أعتقد بأنني أبدو كالبلهاء الآن. بلا شك!
احتويته بين يداي ولم يبدو ككوب ورقي يحوي شراباً ساخناً في هذه اللحظة. بل حجر كريم يحتاج إلى عناية فائقة وأخشى عليه من أي خدش!
لم أستطع كبح رغبتي في النظر إليه وحينها وجدته يحدق إلى بشيء من الإستنكار، تحديداً إلى شعري فرفعت يدي بتلقائية نحو رأسي وحينها استوعبت أمراً!
أين ربطة شعري؟
لا بد وأنني فقدتها في المسبح.!
لم أدرك هذا سوى الآن.
انتفضت بشدة عندما شعرت بيده التي أمسكت إحدى خصلات شعري وبالكاد سيطرت على توازن الكوب بين يداي! نظرت إليه بعدم استيعاب لأقابل عيناه المستغربتان: ماذا!
أجبته بإنزعاج أخفي ارتباكي: ما الذي دهاك فجأة.!؟
ابتسم بسخرية: الأمر فقط. أن فتاة بشخصيتك يليق بها الشعر القصير أكثر.
ارتخت ملامحي للحُمق: هاه؟
أضفت بإستخفاف: وكيف هي شخصيتي وما هو نوع القصَة المناسبة يا خبير التجميل؟
وضع كلتا يديه بجانبه يستند عليها مجيباً وفي صوته نبرة هازئة: سريعة الإنفعال، سليطة اللسان، فضولية جداً، حمقاء بطيئة الإستيعاب، ساذجة ومن السهل الإيقاع بكِ. كما تستحقين نيل شرف أكثر الشخصيات استفزازاً بغبائها في اللحظات الحرجة.
رفعت حاجبي الأيسر قبل ان أرشف من الكوب متمتمة: هنا تكمن متعتك، اليس كذلك؟ كما أشكرك على توضيح الأسباب الرئيسية إلى قد تدفعني لقص شعري، لقد استفدت كثيراً. أنت تستمتع بسرد قائمة المساوئ.
ضحك بملل: ماذا عن القائمة الأخرى؟
رفعت كتفاي بلا اكتراث ولم أعلق فاسترسل يطرف بعينه ببطء محدقاً إلي: أنتِ نقية جداً. قوية ونقية…
فغرت فاهي قليلاً غير مصدقة اتمسك بتلك الكلمة بكل ما أوتيت من قوة وأحتفظ بها لنفسي! أضاف بشرود وفي عينيه العسلية لمعة هادئة مميزة: أنتِ حقاً نقية وهذا ما يجعلك شفافة دائما. نظيفة جداً من الداخل. لا يبدو بأنه يوجد أي شوائب او اختلالات قد تشوه روحك يوماً.
ليخبرني أي شخص. إن كان كريس في كامل وعيه أو لا!
هل يعي حقاً ما يقوله لي الآن؟ أيكون ثملاً مجدداً؟ من الصعب تصديق ما يقوله! أنا. نقية؟!
ازدردت ريقي بصعوبة. وبالكاد فعلت هذا.
همست بدهشة: هل. أنتَ على ما يرام؟
قلّب عينيه بنفاذ صبر ووقف بضجر مشيراً إلى الكوب: انهي الكوب لنغادر.
نظرتُ إلى الكوب بتوتر قبل أن أرفع رأسي نحوه مجدداً: أنت لن تتحدث بأمر مماثل سوى في الحالتين. الثمالة مثل قاصر متهور أو الوقوع تحت تأثير هلوسة الحُمى.
رصَّ بأسنانه على شفته قبل أن يزمجر بإنزعاج: حسناً أنا محموم بالفعل، فليكن.
أومأتُ بصمتٍ قبل أن تغوص عيناي في الكوب بتشتت.
نقية. هذا اللطف الغريب فجأة.
أو ربما. لم يكن فجأة!
تنهدتُ بعمق محاولة تمالك نفسي قبل أبتسم وأحدق إليه فأشاح بوجهه واضعاً يديه في جيبه: بدلاً من توزيع هذه الإبتسامات أسرعي وأنهي الكوب.
كريس أنا. سعيدة جداً. قد لا يعني الأمر بالشيء الكبير لك ولكنني. مسرورة حقاً!
ابعد وجهه عني مجدداً ينظر إلى النافذة ثم أخفض رأسه قليلا واسترق نحوي نظرة قبل ان يتمتم بصوت خافت: لا أريد العودة إلى المنزل. لنمضي وقتنا في أي مكان آخر.
بدأت أشعر بأن ضغط كبير ينتابه.
إنه يشعر بصعوبة في مجاراة هذا الوضع، أتساءل إن كان قد سبق وصبر على أوليفيا في فترة ماضية.
إلى أي مدى يرغب في الهرب منها! الأمر لم يقتصر على تجاهلها في البداية فيبدو أنه مستعد لقضاء وقته خارج المنزل عوضاً عن لقائها.
زميت شفتاي بأسى: لا أدري ما الذي يحدث تحديداً مع أوليفيا. ولكنني. أعلم بأنها قضت أوقات طويلة مع والدتك. لستُ أفهم كيف قضيتما أوقاتكما معها في حالتها النفسية السيئة.
تحرك قليلا ليستند على الحائط بملامح شاردة وقد همس: أمي كانت طبيعية. لم يكن الأمر كما تتخيلين. ولكنها كانت تتصرف بأرعب ما يمكن في أوقات متفاوتة. وفي كل مرة كانت حالتها تزداد سوءاً، أوليفيا تعلقت بأمي كثيراً في حين أصرت خالتي فيكتوريا ان شقيقتها على ما يرام. خالتي جبانة تخشى الإعتراف بالحقيقة. لا تريد أن تفقد ماء وجهها أمام أحدنا.
عقدت حاجباي وقد اعتدلت بعدم تصديق: أتقول بأنها تركت ابنتها مع والدتك طوعاً! الم تكن قلقة بشأنها؟
بلل شفتيه ورفع عينيه العسليتان نحوي: أنتِ لا تعلمين شيئاً. خالتي بالكاد تعلم ما يتناوله أبناءها غداءً أو عشاءً.
مهملة؟!
ظهر التردد على ملامحه فاستنكرت الأمر كثيراً! التعبير الذي ارتسم على وجهه لا يعني انها كانت مهملة وحسب!
بحق الإله. لا أريد ان يخبرني مزيداً من الصدمات، الا يوجد في هذه العائلة شخص عاقل ورشيد!
تساءلت دون شعور: إما أن الثراء تسبب في مرض اللامبالاة في هذه العائلة أو أن الأمر بات وراثياً يجري في دماء الجميع. برأيك أيهما السبب؟
ارتفع حاجبيه: هل الجميع مجنون في نظرك!
أنا لم أقل هذا!
ولكنك أشرتِ إليه.
ق. قصدت. بأنكم.
رسم ابتسامة خبيثة وقد ابتعد عن الحائط، تقدم نحوي فطرفت بعيني بترقب، تفاجأت به ينحني باتجاهي واضعا يديه بجانبي على السرير وقرب وجهه مني فتسمرت في مكاني بإحراج ودهشة!
م. ماذا الآن! ماذا سيفعل؟
همس في أذني بنبرة جذابة: ولكنك واقعة في حب أحد هؤلاء المجانين. ألا يجعلك هذا مجنونة أنتِ الأخرى؟
فغرت فاهي ثم أسرعت أطبقه بإرتباك! اللعنة لا يعلم كم هي مؤثرة هذه النبرة.
تحركاته وكلماته مهما كانت مستفزة. تأسرني بكل ما للكلمة من معنى!
ابتعد عن أذني قليلا ينظر إلى مباشرة وعن قرب.
حينها همست وأنا أغرق في لون عينيه: محق. أنا أيضا لا يبدو أن في رأسي عقل سليم. أحببتك رغم المعاملة السيئة التي تعرضت لها منك. اكتشفت انني واقعة في حبك في ظل ظروف مريعة.
تتحدثين وكأنني مجرد شخص ديكتاتوري.
لقب كهذا أكبر من أن تستطيع حمله.
رفع حاجبه الأيسر باستنكار شديد بينما هو يحدق إلى ثغري مما أربكني أكثر!
ومع ذلك تمالكت نفسي: مهما حاولت أن تبدو مستبداً أو قاسيا. فأنت في النهاية مجرد مغرور متعجرف وحسب ولا شيء أكثر من هذا.
هاه!
إنها الحقيقة.
لم يعلق بل استمر الأمر في تبادل النظرات حتى تساءل بصوت هادئ منخفض: متى ستبادرين؟
نفيت بعدم فهم: بماذا؟
بتقبيلي؟
اتسعت عيناي وقد ابعدته عني برفق: اغرب عن وجهي يا كريس وكفاك وقاحة!
زفر معتدلاً ليستقيم بتبرم: مملة.
ياللجرأة! وكأنني سأفعل أمراً كهذا.
ارتجفت يداي بتوتر وارتشفت من الكوب بحركة سريعة وقد ساد الصمت المكان.
عدت للتفكير بشأن ما قاله قبل قليل لأسأله: إن كنت لا ترغب في العودة إلى المنزل فأين سنذهب؟
رفع كتفيه وهو يخرج هاتفه من جيب معطفه: إلى منزلي مثلاً؟ أو تناول الوجبة التي فاتتنا حتى.
صحيح. نسيت الأمر! لا أنا أو هو قد تناولنا الفطور. كما أنه وقت الظهيرة على أي حال لذا يبدو اننا ستناول الغداء بدلا من ذلك.
أومأت بفهم وقد انهيت الكوب، انتزعه مني بحركة سريعة واتجه نحو سلة المهملات الصغيرة: لنغادر. تجنبي الضغط على ساقك كثيراً.
ثم أشار إلى خصره قاصدا جرحه: لقد بذلت مجهوداً ولا يمكنني بذل ما هو أكبر لذا اعتمدي على نفسك قليلاً.
امتعضت بشدة وانا أقف: لم أطلب منك حملي! كنت مستعدة للسير إلى السيارة بنفسي ولكنك من أصر على أخذ دور الرجل الخارق.
أمال برأسه بلا اكتراث وهو يسبقني للباب فزفرت الهواء بقوة وغيض.
ما الذي يحدث مع هذا المختل!
لا أكاد أفرح ببضع كلمات معسولة يلقيها على حتى يفسد الأجواء والهالة الزهرية من حولي تماماً!
خرجنا من المشفى واتجهنا نحو السيارة، أدركت انه طلب من أحد ما تغيير السيارة بينما كنا في الداخل، لقد أحضر السيارة السوداء الأخرى! ما أن استقر خلف المقود حتى رن هاتفته ليجيب فوراً: مرحباً.
صمت للحظات حتى قال وهو يقود واضعا السماعة في أذنه وقد وضع الهاتف جانباً: نعم. إنها بخير، قال بأن الجرح بسيط، لا ليس الآن.
أردف بهدوء: سنعود في المساء. وما شأنك أنت؟!
مع من يتحدث!
زفر هامسا على عجلة: هيا يا ستيف أغلق وأخبرهم ألا يقلقوا.
نزع السماعة من أذنه فرددت بحيرة: في المساء؟ ظننت بأنها ستكون ساعات معدودة.
لم يلتفت نحوي وإنما ظل ينظر إلى الطريق وقد علّق بما أدهشني: لنمضي بعض الوقت معاً. نحن الإثنان فقط.
شهقت بذهول فنظر إلى باستغراب!
سعلت فوراً بسبب جفاف حلقي جراء هذه الشهقة، يا الهي. كريس قد تحوّل بالفعل إلى شخص لا اعرفه! يقول لي ذلك ومباشرة؟ نحن الإثنان فقط! على الجميع ان يراعي دهشتي هذه فأنا بالكاد استوعب تصرفاته.
حاولت ان اعتدل في جلستي ولكنني تأوهت قليلاً لوخزة مفاجئة شعرت فيها في ساقي، حركتها ببطء وحذر وقد قلت ضاحكة بسخرية: بحلول العام الجديد ستكون الندبات والجروح قد ملأت جسدي بأكمله. أنا واثقة من هذا!
سمعته يضحك بخفوت: الأمر سيان بالنسبة لي.
أومأت وقد تعالت ضحكاتي أكثر معددة: الجرح في خصرك، الرضة القوية في صدرك، الجرح الصغير أعلى حاجبك.
أشار لأثر خفيف بالكاد يُرى بجانب شفته يوشك على الإختفاء فأيدته: صحيح ترك اثرا طفيفا! انظر. وهذه أيضاً.
قلتها مشيرة إلى كدمة اختفت تقريباً من جانب عينه قد تسبب بها إيثان قبل براد.
نظر إلى وقد ابتسم بسخرية: ذلك الالتواء مسبقاً في قدمك، الجرح في عنقك وساقك والكدمة على عينك التي تسبب بها رين الوغد. أرجو الا يزداد العدد.
نفيت مصححة: ستيف من تسبب بها وليس رين. لم يكن يقصد هذا على أي حال ولكنني كنت في وجه المدفع.
أياً يكن.
أضاف بنبرة قد مالت إلى الجدية: كوني حذرة أكثر. استخدمي عقلك قليلاً وستكونين بخير.
حسنا أنا مشتتة. كنت على وشك الشعور بالسعادة ولكنني انزعجت من تلمحيه لكوني مجرد حمقاء غبية!
فترة قصيرة قد مرت حتى أوقف السيارة أمام أحد المطاعم فترجلنا معاً.
تأملت المكان من حولي لأجد المطعم ذو طراز إيطالي قديم متواضع وجميل، دافئ جداً إلى درجة لا تُصدق بألوانه البنية الداكنة وأعمدته السوداء، يوجد الكثير من الطاولات أمام مدخله وقد جلس عليها أشخاص معدودين فقط. تقدمني كريس فتبعته حتى دخلنا، لفت انتباهي الثُريات الصغيرة الكثيرة الملونة والتي انارت المكان بإضاءة لطيفة منعشة.
سألته وقد جلسنا على إحدى الطاولات الفارغة في نهاية المطعم: هل تأتي إلى هنا عادةَ؟
أومأ يبحث بعينيه عن أمر ما: نعم.
تصميمه لطيف ومريح.
استغربت قليلاً بحثه عن شيء ما حتى لمحته يرسم ابتسامة هادئة لشخص ما، التفت حيث ينظر خلفي باتجاه اليمين تقريباً حيث طاولة وضع الأطباق الجاهزة لتلبية الطلبات، لتتسع عيناي بذهول وقد وقفت بدهشة مشيرة إلى الشخص الذي يقترب بإنفعال: أ. أنت! إنه أنت!
ابتسم لي ولكنني سرعان ما أدهشته متقدمة نحوه بحزم: أيها المحتال المخادع!
امسكني كريس من يدي بسخرية: مرّ وقت طويل حُري بكِ أن تدفني حقدك تماماً.
امتعضت نافية: بسببه كنتُ مضطرة لمشاركتك تلك الشقة المشؤومة.
ثم أخذت شهيقا عميقاً متذكرة جميع الأحداث التي مررت بها وأن أمر تلك الشقة لم يعد مهما حقاً، لويت شفتي قليلا وقد هدأت متمتمة: حسنا سيد إدوارد، أعلم انك كنت ضمن خطة كريس منذ البداية لذا الخطأ لا يقع على عاتقيك مئة بالمئة.
ابتسم بتوتر شديد وريبة وهو ينظر لكريس بتردد، قال الأخير: مرحباً سيد إدوارد.
انتزع الأخير عينيه عني بصعوبة وقد رحب به: أهلا يا بُني. لم أرك منذ وقت طويل!
أضاف يرمقني وهو يكبت ضحكته: لا تستائي مني آنسة شارلوت. ولكن. أعتقد بأنه درس مفيد جداً!
عقدت حاجباي وانا اعود بضع خطوات لأجلس: درس؟
أومأ بلا حيلة: درس لأي شخص يقوم بإستئجار شقة دون القاء نظرة على الوضع وما إن كان كل شيء على ما يرام.
لويت شفتي وقد اسندت وجنتي على كفي: اعتقد بأنه عليك أن تخجل من نفسك سيد إدوارد لتخدعني بتلك الطريقة وقد وثقت بك.
أشار إلى وإلى كريس متجاوزاً ما قلته: ما علاقتكما تحديداً؟ بصفتك من تدعوها إلى مطعمي يا كريس؟
اتسعت عيناي: هذا مطعمك أنت!
صحيح.
تدخل كريس وهو يجلس بثقة: إنها زوجتي.
عقد إدوارد حاجبية باستغراب: زوجتك.
ثم حدق إلى بعدم فهم: ولكن. ألم تقل بأنها صديقة تعاني من اضطرابات نفسية وبحاجة إلى فترة نقاهة لت.
قاطعه كريس فوراً: ماذا عن جلب قائمة الطعام سيد إدوارد؟
ظلت عيناي متسعتان مرددة: اضطرابات. نفسية! أي كذبة سخيفة هذه تحديداً؟
بعد مضي فترة لا بأس بها كان يأكل أمامي ويركز على طعامه، كنت ممسكة بالسكين اغرسها في قطع الدجاج محدقة به بحدة. التقت عيناه بعيناي فأسرع يتظاهر باللامبالاة، همست بإنزعاج شديد: مريضة باضطرابات نفسية. هاه؟ أتريد ان ترى حقاً كيف يكون مريض هذه الإضطرابات؟! بربك لقد ظن بأنني مجرد مريضة تحتاج إلى فترة نقاهة بتوصية منك. أيها اللئيم المخادع!
نظر إلى طبقي ثم إلي: مرت عشرة دقائق وسيبرد الطعام. مطعم السيد إدوارد يعد وجبات شهية سيكون إهدارها خسارة كبيرة.
القيت بالسكين جانبا على الطاولة وتناولت الملعقة هامسة بلا حيلة: أستسلم، أنا بالفعل جائعة جداً.
تناولت قضمة لأبتسم دون شعور بهدوء للذة الطعم ورائحته الغنية بالنكهة.
بالتفكير بالأمر. ربما لا يجب ان أغضب كثيرا من تواطؤ السيد إدوارد مع الجالس أمامي والغير مكترث.
نعم. لا يجب أن أشعر تجاهه بهذه السلبية. فهو تقريبا السبب في لقائي بكريس وتوغلي في علاقتي معه.
تساءلت بإهتمام: إذاً تلك الشقة لم تكن له أصلاً.
نفي للحظة ثم أومأ! فابتسمت ببلاهة: نعم أم لا تحديداً؟
كلاهما. إنها شقته ولكنني استعيرها أحيانا عندما أحتاجها.
لم أفهم! اليست ملكاً له إذاً؟
ابن السيد إدوارد كان مجرد زميل لي في الجامعة، اشتريت الشقة بالفعل ولكن ابنه يستخدمها أحياناً عندما يأتي إلى هذه المدينة. أو لنقل نادراً فهو يعمل خارج البلاد.
آه! هكذا إذاً.
أكملنا تناول الطعام وحينها تهاوى على مسامعي صوتاً خافتا للرعد. ، رفعت عيناي نحو كريس دون شعور أتأكد مجدداً ما إن كان سُمك معطفه سيوفي بالغرض، يوجد وشاح على كتفيه ولكنه لا يلف. جيد. تحسباً لأي انخفاض في درجة الحرارة أكثر.
تيا:.
جلست على الكرسي بجانب الشرفة إلى جانب ستيف أحدق إلى رين ووالده اللذان يجلسان بجانب بريتني على السرير، أحضرها رين للتو فقط من المشفى وقيل بأنها على ما يرام ولكنها تحتاج إلى التدفئة وحسب. كما أخبره الطبيب ان الشخص الذي قام بإسعافها قد طبق الإسعافات بطريقة صحيحة مثالية.
شارلوت يُعتمد عليها حقاً.
هذه الفتاة تجيد التصرف في المواقف الحرجة التي تصيبني بالصدمة والقشعريرة، لن أنسى ردة فعلها السريعة عندما اقتحم براد شقتي، إنها قوية بالرغم من مظهرها.
رفعت عيناي نحو أولين التي دخلت تطرق الباب بهدوء ونظرت إلينا ثم إلى بريتني وتقدمت متسائلة بإستياء: هل هي بخير؟
أجابها جوزيف مداعبا شعر ابنته النائمة: نعم. أدين لشارلوت بإنقاذ ابنتي.
أضاف متنهداً بلا حيلة: بريتني لا تجيد السباحة بعد، لا تزال صغيرة وبرودة الماء زادت الطين بلة.
كانت أولين تحدثني عن علاقة أوليفيا بكريس قبل أن تحدث تلك الضجة لنكتشف أن بريتني قد تعرضت حياتها للخطر.
وكم تفاجأت من الكم الهائل من الأمور التي لم يخبرني كريس بها!
حسنا صحيح بأنه لا يخبرني بشيء ولكن.!
أن تكون أوليفيا متعلقة به الى هذه الدرجة أمر لم يخطر في رأسي!
الأهم. أوليفيا ذات شخصية صعبة جداً والتعامل معها معقد إلى درجة لم أتخيلها، ما فهمته انها كانت متعلقة بباتريشيا كثيراً والأخرى أيضا كانت كذلك وفضلتها على كريس.!
نظرت إلى ستيف الذي يعقد ساعديه على صدره ثم إلى الإثنان اللذان يقفان خلف كرسيه وينظران إلى بريتني بأسى.
جيمي بالكاد قد توقف عن البكاء، استطاعت آنا أن توقفه بصعوبة، شارلي عيناه تدمعان باستمرار وهو يسأل أولين وستيف في كل حين ما ان كان كريس سيخبر والديه بما حدث بالفعل.
التفت ستيف نحوهما وقال متنهداً: انتما الإثنان. بريتني بخير لا داعي لكل هذه العواطف الجياشة والبكاء المستمر، وانت يا شارلي توقف عن ذرف الدموع ألا تجف عيناك؟!
أجابه الأخير بصوت مرتجف: ولكن. إن علم أمي وأبي بما حدث فسيعاقبانني بشدة. لقد استمتعت في الأيام الماضية في المخيم ولكن إن علما بما وقع لبريتني فسيرفضان ذهابي مع جيمي وبريتني إلى المخيم مرة أخرى.
ثم ابتلع ريقه وبدى يحاول ان يتمالك نفسه وهو يقول بشيء من الجدية: ستيف، هل ستقنع عمي كريس أن يتراجع عن قراره؟
كتمت ضحكتي وانا أقف واضعة حقيبتي على كتفي متمتمة بهدوء: لقد أخطأتما وعليكما ان تنالا عقابكما.
سمعت شارلي يهمس مفكراً: ستعود جينيفر اليوم. حتى لو أخبرهما فستدافع هي عني بلا شك. أنا أثق بأختي.
ضحك ستيف بسخرية: جينيفر؟ تلك العجوز العازبة؟ أراهن على انها ستضخم المسألة بدلا من اخماد نارها. فليكن يا شارلي أنت مخطئ وعليك ان تتعلم درسك.
تكتف شارلي بحزم ومع ذلك ظلت عيناه تدمعان، نظر إليه جيمي بتردد قبل ان يقول له مربتا على كتفه: سأحاول اقناع أبي لأجلك. أنا قلق على أمي، وأخشى ان يغضب أبي أكثر عندما يعودان من المشفى.
امتعض شارلي: من سيقنع من؟ لا تضحكني ليس وكأنك تمضي وقتا طويلا مع والدك، ابتعد عني لو لم تكن مدللا جبانا لما كنت في هذه الورطة الآن.
افلت ضحكة رغما عني وانا اتجه للباب لأخرج وقلت ملوحة بيدي: مسرورة بأن بريتني بخير سيد جوزيف، على الذهاب الآن.
أومأ لي بلطف وعاود يربت على رأس ابنته، لمحت رين الذي كان يحدق إلى وجهها بشرود وقد بدت ملامحه هادئة مسالمة.
رأيت ستيف كذلك قد وقف وقال واضعا يديه في جيبه ينظر إلى رين بطرف عينه: من الأفضل أن تشكر شارلوت على انقاذ شقيقتك. لولاها لكانت الأمور قد ساءت. كن ممتناً لها أيها المتعالي.
تجاهله رين مشيحا بوجهه بجفاء، خرجت وخلفي ستيف، اتجه إلى غرفته بصمت يعبث بهاتفه في حين لويت شفتي مفكرة بخروج السيد ماكس، قال بأنه سيذهب للقاء أحد أصدقائه ولن يتأخر. لن أقلق بشأنه طالما ان السيد مايكل برفقته. ولكنني سأتصل به لاحقا لأطمئن عليه. لا سيما وأنه لا يزال مستاءً من معاملة كريس له.
الآن هناك ما يراودني.
لماذا أشعر أنني نسيت أمراً ما؟ يوجد أمر مهم كان على فعله ولكنه لا يحضرني!
فكرت في ذلك وانا أنزل الدرج، وقفت في منتصفه لأنظر إلى الساعة على معصمي، إنها الواحدة تقريبا.
تعالى رنين هاتفي فأخرجته من حقيبتي، أجبت فوراً: مرحبا يا إيث.
ولكنني أجفلت لنبرته المنزعجة: أخبريني من فضلك أنكِ لم تنسي موعدنا!
اتسعت عيناي بدهشة: الموعد!
صحيح! اتفقنا على ان نلتقي في أحد المطاعم عند الثانية عشر!
يا الهي. لقد وعدته ألا أتأخر!
أسرعت أقول بتوتر: أنا حقا آسفة! ولكن. تأخرت في منزل السيد ماكس بسبب.
هل أنتِ بخير؟
أنا بخير. الأمر فقط بأن بريتني ابنة السيد جوزيف قد تعرضت للخطر في منزل السيد ماكس، انشغلنا جميعنا بما حدث لذا انا أحقا آسفة لم أنتبه للوقت!
ما الذي حدث لها!
أجبته وانا أنزل الدرج بسرعة: كادت تغرق في مسبح الحديقة ولكن شقيقتك تدخلت بسرعة، بالمناسبة إنها مع كريس في المشفى.
تساءل بسرعة بقلق: لماذا؟ ما خطب شارلوت!
أصابت ساقها فأخذها إلى المشفى فوراً.
ماذا!
ولكن لا داع للقلق إنها على ما يرام. لقد خرجا من المشفى.
هل هو جرح كبير؟
لا أدري. ولكن ستيف اتصل بكريس قبل لحظات وأخبره بأنهما غادرا المشفى وذهبا لتناول الغداء.
سمعته يتنهد بعمق شديد: يا الهي. على رؤيتها بنفسي.
استرسل وبدى على عجلة من أمره: اسمعي. سأكون في انتظارك. هناك ما علينا التحدث بشأنه، وبعدها سأذهب لأرى شارلوت.
خرجت من باب المدخل ونزلت الدرج متمتمة بإمتعاض: أردت حقا ان التزم بالموعد ولكن. حسناً على أي حال لن أتأخر. امنحني نصف ساعة فقط.
لا داعي للإسراع قودي بتمهل، سأنتظرك. ولكن هذا لا يعني أن تتأخري أيضاً.
ضحكت بسخرية: كفاك سخفا ما الذي تريده مني تحديداً.
أريدك أن تأتي بسرعة ولكن لا تقودي بتهور. هل هذا واضح الآن؟
سأتجاوز هذا الجنون. سأغلق الآن أراك بعد قليل.
أغلقت الهاتف وأسرعت إلى سيارتي، قدتها والحماس يجتاحني، لم أخرج مع إيثان في موعد منذ زمن بعيد، افتقدت تلك الأيام كثيراً. يا ترى أي نوع من الحوار سيدور بيننا، أي نوع من الكلمات سينتقيها.
أتوق لأشبك أناملي بين أنامل يده الدافئة، والتحديق إلى عيناه لأواجه نظراته الجذابة التي تأسرني وتوقعني في شباكه دون أدنى رحمة.
وصلت إلى المكان المحدد وأوقفت سيارتي في موقف السيارات المقابل للمطعم، أخرجت من حقيبتي أحمر الشفاه بسرعة لأصلحه وكذلك بعضا من مكثف الرموش.
رن هاتفي فأجبت وانا أنظر إلى نفسي في المرآة الأمامية للسيارة: مرحباً.
أتى صوته العميق: هل وصلت؟
أضاف محذرا: لا تقولي بأنك لا زلت في الطريق!
لقد وصلت، سأدخل المطعم بعد لحظات فقط.
جيد، لا تدخلي المطعم، اذهبي إلى الساحة الخلفية نحن نجلس هناك.
أغلقت باب سيارتي وحينها استوعبت متسائلة: نحن؟
أغلق في وجهي فطرفت بعيناي بعدم استيعاب!
من يقصد بنحن؟ أو أنه قالها بالخطأ؟!
عقدت حاجباي مفكرة بالأمر باستغراب، اتجهت نحو الساحة الخلفية للمطعم، هناك يوجد طاولات لتناول الطعام في الخارج تحت مظلات كبيرة.
بحثت عنه بعيناي وقبل أن أفعل لمحته يقترب إلي!
ابتسمت وتحركت أنا أيضاً، عندما وصل إلى رأيت ابتسامة صغيرة لطيفة تعتلي ثغره وهو يحدق إلى بتمعن، أمسك بيدي بين يديه: هيا.
أومأت دون أن أعلق ومشيت إلى جانبه وقد بدأ التوتر والخجل يعتريني، عندما وصلنا إلى إحدى الطاولات شهقت بدهشة أنظر إلى المجتمعين على الطاولة!
تساءلت باستغراب شديد هامسة له: ما الذي يحدث يا إيثان!
ولكنه اجبرني على ان نتقدم نحوهم بدلا من أن يجيبني.
وقفت أمام الطاولة فنظر الثلاثة إلي، من الصعب استيعاب الأمر! ألم يقل السيد ماكس أنه سيخرج للقاء أحد اصدقائه؟ ما الذي يفعله هنا إذاً! ولماذا والدا إيثان هنا؟
حسناً. بدأت أقلق!
ومع ذلك ابتسمت قائلة بلطف مخفية حيرتي: مرحبا سيد مارك، مرحبا سيدة ستيفاني.
صافحتهما بحرارة لتحدق إلى ستيفاني بلطف: مرحبا عزيزتي تيا.
ثم صافحت السيد ماكس الذي نظر إلى مشجعاً!
ما خطبهم بحق الإله!
ظننه موعد خاص بي وبإيثان. لماذا هم هنا؟ ما الذي سيتحدثون بشأنه ولماذا لم يخبرني بتواجدهم. هذا اللئيم!
ازدردت ريقي بتوتر وجلست بجانب السيدة ستيفاني كما طلبت مني!
ابتسم إيثان بهدوء وظل واقفاً ليلقي بنظرة سريعة نحو السيد ماكس الذي قال بصوته العميق وبأسلوبه الرزين: حسنا يا تيا. لابد وأنك احترت لوجودنا هنا. أراهن على أنكِ تجديننا مجرد مزعجون نتطفل على موعدكما.
نفيت فوراً بإحراج: إطلاقا سيد ماكس.
رسم ابتسامة لطيفة وهو ينظر إلى ستيفاني ومارك، ثم عاود ينظر إلي: انصتي إلى يا ابنتي.
كلي أذان صاغية سيد ماكس!
قلتها والقيت بنظرة قلق نحو إيثان الذي كان يحدق إلى بترقب وتأمل قبل ان يبتسم لي ليطمئنني.
أولين:
هل هذا مفهوم؟
قلتها بحزم وانا أتكتف مختصرة حديثي مع الخادمة التي قالت بلباقة: حسناً إذاً سوف أفعل ما قلته لي سيدة أولين. سأخبرهم أن يحملو تلك الأخشاب بعيداً.
انصرفتْ بهدوء في حين عدت أدراجي وقد صعدت الدرج مجدداً لأتفقد أوليفيا كما طلب كريس مني قبل مغادرته.
لقد هرع فوراً إلى شارلوت عندما سمع بما حدث ومع ذلك أوصاني بأن ألقى نظرة على أوليفيا. كريس لم يعد بإمكانه الهرب مما يحدث من حوله، لم يعد يستطيع تجاهل الأمر الذي يتفاقم في كل لحظة.
بصراحة. أنا أيضا ظننت أننا تخلصنا من عبء أوليفيا، ولكن يبدو أنها لا تستسلم وقد روضتها باتريشيا جيداً.
كم أكره باتريشيا التي لا زال شبحها يطارد أفراد العائلة!
دخلت وأنا أفتح الباب ببطء وحذر، الإضاءة خافتة، يمكنني رؤيتها تنام هناك، تقدمت نحوها حذرة من إصدار أي صوت حتى لا تستيقظ، وقفت أمامها لأراها تنام على السرير وشعرها القصير الغير مرتب متناثر حول وجهها.
كما أرى أثرا للدموع على وجنتها ووسادتها.
وقفت لبرهة أحدق إليها بقلب منقبض بشدة. لا أدري إن كان على الشعور بالشفقة أو بالغضب. هل كان عليها العودة مجدداً بعد ان تزوج كريس أخيراً! شارلوت اختياره وهو يدرك جيداً أنه لن يتركها ترحل بعيدا عنه لأنها أرادها ولطالما كان كذلك.
وكم يدهشني أنه وقع في شباكها منذ طفولتهما، منذ ان زارت المنزل مع ستيفاني ومارك للمرة الأولى.
مهما حاول كريس التظاهر بكونه صعب المراس متحجر الرأس سيظل في داخله كيان لطيف وقع بكل سذاجة وبساطة في حب شارلوت مهما كانت أسبابه.
خرجت مغلقة الباب لأقف أمام النافذة في نهاية الممر والمطلة على الحديقة الخلفية.
لا أشعر بالراحة.
لن أشعر بذلك في حين عودة الأمور كما كانت مسبقاً وكأننا لم نتخلص من كل هذه المشاكل!
سبق وتخلص كريس من مشكلة أوليفيا ولكن.
لماذا مجدداً!
أنا شخصيا كنت بالكاد أحتمل تصرفات باتريشيا، ولكن كريس احتمل باتريشيا وأوليفيا في فترات مشابهة تقريباً! اليس هذا كثير جداً الآن؟
منذ صغره وهو يتعامل مع أوليفيا كفرد من العائلة بمكانة الشقيقة أو الصديقة ولكن أوليفيا كسرت هذه القاعدة تماماً.
لا أريد لكريس أن يمر في هذا مجدداً!
لا أريد.
فكرت في ذلك بأسى وإنكسار وأنا أعود بذاكرتي قبل زمن.
((عدت من الحديقة لأدخل المنزل، اتجهت فورا لغرفة الطعام ووجدت ماكس وباتريشيا يتناولان الغداء وبجانبها أوليفيا تجلس تتناول طعامها كذلك.
لمحت يد باتريشيا التي تمررها في شعر أوليفيا بلطف وهي تحدق إليها بشرود.
ماكس كان يلتزم النظر إلى طبقه فهو أكثر من يعلم ما قد يحدث لو خاض أي حوار مع باتريشيا، بينما الأخيرة تدندن بصوتها الجميل ولا تزال يدها تداعب شعر أوليفيا.
ابعدت يدها وتناولت الكأس لترشف من العصير الطازج فاقتربت متسائلة: أين رين وكريس؟ لماذا لا يتناولان الغداء!
أجابني ماكس: لقد كانا هنا للتو، ولكنهم انصرفوا بحجة الاستمتاع بوقتهم. من الصعب إجبار هاذان الإثنان على احترام آداب المائدة ولا سيما عندما يجتمعان.
ابتسمت بلا حيلة: محق.
نظرت لباتريشيا التي كانت تحدق إلى بطرف عينها فانتفضت قليلاً رغماً عني!
وقفتْ بدورها مبتعدة عن الطاولة وتقدمت نحوي فنظر ماكس إليها بحذر وقد اوقف يده قبل ان يتناول الطعام وترك الملعقة معلقة في الهواء.
أما أنا فأخفيت توتري ببراعة ووجهت عيناي الهادئة إليها بثبات فابتسمت بلطف ووقفت أمامي مباشرة.
رفعت يدها نحو وجهي ومررت أناملها الناعمة هامسة بإستياء: أولين. اهتمي بنفسك قليلاً يا عزيزتي ودعك من كريس! أنت تبالغين في السؤال عنه والإهتمام به! هو لم يعد صغيرا إنه في الرابعة عشر! انظري الى بشرتك الشاحبة! الا تحاولين الاهتمام بنفسك والرفق بحالك قليلاً؟
ثم تنهدت بحزن وتابعت ممسكة بخصلة من شعري: هل تحبينه؟
بالطبع!
أنا أعشقه يا أولين! أحب كريس كثيراً! أشعر بأنني محظوظة بإبني! كل شيء حوله مميز. مظهره وشخصيته. ولكنني ما زلت أفكر ما إن كان يستحق البقاء معنا!
اتسعت عيناي بريبة ولكنها أكملت هامسة: أشعر برغبة في البوح لك بصراحة. هل هذا خطأ؟
أعتقد بأنك قمت بإهانة إبنك.
اختفى بريق اللطف من عينيها ومررت يديها على بطنها هامسة بشرود: لقد كان هنا! ولكن صدقيني يا أولين. لم أكن أنا! إنها ستيفاني. لا أدري. أ. أنا لا أدري كيف حدث هذا ولكنه ليس لي أنا! كريس ليس إبني! ح. حسنا صحيح بأنني حملته في أحشائي ولكنه لم يكن هنا بالفعل! إنه فقط يشبهني لأنني اعتنيت به في بطني! ت. تفهمين ما أقوله صحيح؟ لا بد وأنكِ تفهمينني. إ. إنني أحبه أنا حقا أحبه كثيراً! ولكنني. أشعر بالإستياء لخيانته لي! لماذا؟ أنا. مستاءة!
ظلت تتحدث بكلمات غير مفهومة متلعثمة فنظرت لماكس بلا حيلة فوقف بهدوء وعينيه تعكسان ضيق شديد.
أمسك برسغها بلطف ليديرها نحوه، ظلت تتفوه بتلك الأمور العشوائية الغريبة وأوليفيا تنظر إليها بهدوء وهي تمضغ الطعام ببطء.
زم ماكس شفتيه وقد رفع كلتا يديه يمررا على وجنتيها: باتريشيا. هذا يكفي أرجوكِ.
ولكن عينيها العسليتان الواسعتان قد دمعتا فعانقها ممررا أنامله في شعرها مهدئاً وأشار لي بأن أخرج فأملت برأسي فوراً.
فعلت ذلك وأغلقت الباب بهدوء.
أمر كهذا هو شبه يومي. ومعتاد جداً!
أمور كهذه نسمعها دائما من باتريشيا التي لا تفقه شيئا مما تقوله.
لويت شفتاي وابعدت خصلة متمردة خلف أذني بحركة عصبية، صعدت نحو غرفة كريس وأنا أدرك بأنني سأجده مع رين.
طرقت الباب فأتى صوته بنبرة عالية يجوبها الحماس: تفضل؟
دخلت لأطل عليهم فوجدتهما يلعبان بإندماج بألعاب الفيديو، الغرفة فوضوية جداً! تفوح منها رائحة الطعام والوجبات الخفيفة والحلويات، كما ان جميع الوسائد تقريبا على الأرض حول كريس الذي يجلس أمام التلفاز ويبدو مغتاظا قليلا، في حين كان رين يجلس على السرير محتضنا وسادة صغيرة ويلعب باندماج وتركيز شديد.
رمقني رين بنظرة سريعة قبل ان يبتسم وعيناه على الشاشة: سيدة أولين أنظري إلى الأحمق. يعتقد بأنه قادر على هزيمتي!
علق كريس بحزم: يد التحكم التي أحملها سيئة جداً! أنت تعلم هذا مسبقاً.
انفجر رين ضاحكا بسخرية: المهزوم دائما ما يبحث عن أسباب يلملم فيها ماء وجهه!
اخرس. لا تكن مغرورا لفوزك مرة واحدة!
ظلا يتعاركان فقاطعتهما بحزم: هل أنهيتما الفروض الدراسية؟
أجاب كريس على مضض: ليس بعد.
تجاهلني رين وهو يخرج لسانه إلى طرف شفته بحماس شديد ثم صرخ مما أجفلني: لقد فزت مجدداً!
القى كريس بيد التحكم بغضب: أيها اللعين الغشاش الم نتفق على ألا نستخدم تلك الميزة؟ إنها تزيد من مستوى الطاقة! هذا الفوز لا يُحتسب.
ابتسم رين باستفزاز: كالعادة. لديك رد جاهز على كل شيء، النصر لي هذا واقع عليك تقبله.
هذا غش.
بل نتيجة عادلة!
لنبدأ من جديد وعليك ان تلتزم بما اتفقنا عليه. هل تفهم!
لا بأس، بل وسألعب بيد التحكم خاصتك لأريك أنك لا تكف عن الإتيان بالأعذار.
تدخلت بهدوء: أعتقد بأنكما تجاهلتماني! سأغضب وكلاكما يعلم بأنني لا أمزح الآن.
نظرا إلى وقد ترك رين ما بيده ووجه إهتمامه لي.
سألتهما بجدية: هل تناولتما الغداء جيداً؟
زفر كريس: لم أعد صغيرا على هذا السؤال!
أيده رين ممررا يده في شعره الأشقر بملل: سيدة أولين. آن الأوان لتتوقفي عن معاملتنا بهذه الطريقة. كلانا في الرابعة عشر وهذه الأوامر لم تعد تلائمنا. اليس هذا واضحا؟ نحن نرغب في التمرد قليلاً وهذا أمر طبيعي!
كتمت ضحكتي بكل براعة وإتقان واقتربت منهما: سؤالي كان واضحا جدا ولا أحتاج لمراوغتكما.
أومأ رين: نعم تناولناه جيداً.
أشم رائحة الطعام هنا، اعتقد بأنني قلت أكثر من مئة مرة بأن جلب الطعام او حتى الوجبات الخفيفة إلى غرف النوم ممنوع منعاً باتاً.
امتعض رين بشدة: نحن لسنا في مدرسة داخلية!
أردف يكتم انزعاجه: هل يمكننا إكمال ما توقفنا عنده؟
احتدت عيناي مفكرة قبل أن أزفر: اكملا هذا الهراء أو أياً يكن.
فعلا ذلك فوراً فبقيت واقفة في مكاني أحدق إليهما.
هاذان الإثنان. يبدو وكأن كلا منهما محظوظ لكون الآخر في العمر نفسه.
اقترح رين منذ عامين على والديه ان يسمحا له بأن يرتاد المدرسة ذاتها مع كريس.
صحيح بأن المسافة بالنسبة لرين بعيدة قليلا قرابة النصف ساعة أو أكثر ولكنه يظل هنا ليسهل الأمر عليه، كان في البداية يأتي كل صباح من مدينته، السائق يسلك طريقا مختصرا ليجعل المدة لا تزيد عن الثلاثين دقيقة.
إنه مستعد لإحتمال هذه المسافة ليبقى مع كريس فترة أطول! حتى الأخير أصر عليه ان يلتحق بمدرسته فيتسنى لهما قضاء وقت أطول معاً.
ابتسمت دون شعور مفكرة فيهما حتى انتفضت لصراخ كريس بحماس ساخر: النصر لي هذه المرة! أرأيت؟ قلت لك لا تكن مغروراً.
ألقى رين بيد التحكم نحو كريس بغضب: سحقاً! كان بإمكاني الفوز ولكنك تستغل أصغر الفرص!
إنها مهارة وحسب.
أصمت. لنبدأ الجولة التالية.
ولكن رين استوعب أمر وجودي وأسرع يقول: ألا زلتِ هنا سيدة أولين! ما الأمر؟
ابتسمت بلطف: كنت منهمكة في التحديق إليكما للتو ويبدو أنني حلقت بعيداً بأفكاري. يبدو أنكما تحظيان بوقت ممتع بالفعل، أفهم الآن لماذا الطعام قد يكون من آخر اهتمامكما!
لم يعلقا وإنما ظلا يترقبان ما سأقوله، نظرت إلى رين وقد ابتسمت مشيرة: هل تسمح لي بلحظة في الخارج؟ أردت أن أسألك بشأن والدتك فيكتوريا، هناك ما أريدك أن توصله إليها ان اتصلت بك.
وقف متجهاً إلى مميلا برأسه وقال يتبعني قبل أن يخرج: جهز نفسك للخسارة لاحقاً أيها الخطل.
خرج وأغلق الباب ليتبعني فوقفنا في نهاية الممر أمام النافذة المطلة على الحديقة الخلفية.
وقفت مقابل النافذة فوقف بجانبي، وضع يديه في جيبه متنهداً: أعلم بأنك تريدين سؤالي بشأن أوليفيا.
أومأت باستنكار: أنا حقاً لا أفهم يا رين! ألم نخبر والدتك ألا تحظرها إلى هنا؟ ألا ترى شقيقتك تلتصق بخالتك باتريشيا أينما ذهبت! لا يعقل يا بني أن نتجاوز الأمر ببساطة!
سمع كلانا صوتا فالتفتنا للخلف، لم يكن سوى الطفل ذو السبعة أعوام والذي كان يركض ويصرخ بمرح وخوف في آن واحد وخلفه إحدى الخادمات وكلوديا التي صرخت: عد إلى هنا يا ستيف وإلا غضبت!
ولكن ستيف ركض نحو إحدى الغرف وقبل ان يرفع يده لقبضة الباب أمسكته الخادمة وعادت به فوراً إلى الغرفة وخلفها كلوديا التي تتذمر.
تنهدت بلا حيلة متمتمة: أشعر بأنه سيكون شخص متعب في المستقبل.
فكر رين مؤيداً: سيكون مجرد متهور طائش، ثقي بنظرتي المستقبلية.
ابتسمت بهدوء ثم تلاشت ابتسامتي متداركة ما كنا نتحدث عنه فسبقني القول: إنها تصر على ان خالتي لا تواجه أي مشكلة، تقول دائما أنها بخير ولن تقبل بأي من هذه الإفتراءات عليها.
عقدت حاجباي نافية: ولكن. الا تلاحظ ان شقيقتك تتأثر كثيراً بتصرفات خالتها! أرجوك يا رين أنا لم أعد أحتمل هذا! أوليفيا وببقائها مع خالتك طوال الوقت ستتأثر أكثر فأكثر!
رفع كتفيه ببرود ونظر من خلال النافذة هامساً: ليس وكأنني قادر على إحتمالها. حقيقة أنها شقيقتي تجبرني على الشعور باليأس.
عقدت حاجباي بأسى: لماذا تصرفت أنت وكريس بطريقة غريبة في الأمس؟ هل هناك ما حدث!
أردفت ملحة: ما الذي فعلته أوليفيا؟ أدرك جيداً انها تصرفت بتهور مجدداً. أخبرني من فضلك يا رين! أنا بالكاد أنام ليلاً والقلق يجتاحني ليلاً ونهاراً بشأنك أنت وكريس. لقد وعدتماني أن تخبراني بأي أمر يحدث ولكنني أعلم جيداً بأنكما تخفيان أمراً عني وهذا واضح جداً. تحدث يا بني الصمت لن يأتي بأي نتيجة جيدة.
طرف بعينيه الزرقاوين واللتان لمعتا ببريقهما اللامع ولونهما الفاتح كزرقة السماء الصافية وقد ابتسم بهدوء: أظن بأنه عليك أن تفقدي الأمل. أوليفيا لن تتغير. وقد تصبح أسوأ.
لماذا تقول هذا؟
رفع رأسه نحوي ليتمتم واضعا يديه في جيبه: في الأمس استيقظت في وقت متأخر. الغرفة كانت مظلمة ولكن الباب مفتوح وإضاءة الممر الخافتة جعلتني أدرك أن أوليفيا موجودة. حدث ما حدث في المرة الماضية في منزلنا.
صمت قليلا وتلعثم: في المرة السابقة كانت تحاول إيذاءه ولكن هذه المرة.
أشاح بوجهه مجدداً فاقتربت مشجعة: أكمل يا بني! إنني قلقة جداً بشأن كريس. وأخشى أن يغيب عن عيني لحظة فيحدث ما لا يكون في الحسبان!
كان كريس يتأوه بصمت حتى لا استيقظ أنا. راقبت الوضع بصمت وقلق وأدركت أن أوليفيا كانت تؤذيه بطريقة ما، يبدو أن التصرفات المجنونة تشبع غريزة ما في داخلها. ألم تلاحظي صدر كريس سيده أولين؟
اتسعت عيناي بريبة: صدره؟ ماذا حدث!
ابتسم بسخرية يجوبها نفاذ صبر: ما الذي سيحدث عندما يكون بحوزتها قلم رصاص!
شهقت بذهول ورفعت يدي على ثغري، نظرت من حولي بحذر قبل ان أتساءل بقلب مقبوض: استخدمت قلم رصاص؟ ماذا فعلت به!
يبدو أنها تحاول حفر اسمها الجميل على صدره. يمكنك رؤيته بنفسك ولكنني أحذرك من هذا. سيغضب بلا شك.
أنا لا أفهم! لماذا تخفيان أمرا كهذا عني؟
تجاوز سؤالي ليهمس بهدوء: عندما أنهت فعلتها استلقت بجانبه وحين غطت في النوم قام كريس متجها إلى الحمام فأسرعت لأتبعه وهناك رأيت صدره الذي احمر بشدة وقد نزف قليلا.
هذا كثير جداً! يا الهي. ماذا لو تسمم وما شابه؟
ضاقت عينيه ولمعتا ببريق مستاء: كان سيخفي الأمر عنا. لم يكن ليتأوه بصوت عالي حتى لا أسمعه ولم يكن ليبعدها حتى لا أنتبه.
طأطأت رأسي بيأس وأنا أعلم جيداً أن كريس يتجاوز هذا لأنه لا يريد لتصرفاتها ان تؤثر على علاقته برين، لكن إلى متى!؟
زم شفتيه فتنهدت بدوري بضيق: ما الذي على فعله بحق الإله! إنني أحاول إبقاء باتريشيا على مسافة كافية منه! والآن الأمر قد بات أصعب بكثير بوجود أوليفيا!
ظلت عينيه تلمعان حتى تفاجأت بالدموع التي ذرفها وهو يقول بصوت مرتجف: أوليفيا لا تزال تتصرف بريبة، إنني قلق مما قد يحدُث. قد يستطيع كريس حماية نفسه ولكن ماذا عنها؟ ماذا لو حاولت إيذاء نفسها بطريقة أو بأخرى؟
وضعت يدي على رأسي محاولة تمالك نفسي هامسة: هذا ما أخشاه.
تردد دائما بأنها تحبه كثيراً. ولكنها تؤذيه وتقوم بعكس أقوالها.
تنهدت بلا حيلة وابتسمت محاولة ألا أذرف الدموع وأنا أحدق إلى عينيه الدامعتين، رفعت يدي مبعثرة شعره بلطف: سنجد حلاً. علينا أن نتصرف حتى لا يسوء الأمر. من فضلك ساعدني يا بني))
عدت للواقع وأنا ارى عامل الحديقة يقوم بجز العشب فزفرت باستياء ونقم.
انها الان نائمة.
ماذا بعد ان تستيقظ يا ترى؟
لا أحد علم بما حدث اليوم سوى من شهد الأمر.!
لفت انتباهي صوت خطوات في اخر الممر فاستدرت لأرى أنه رين الذي بدى يفكر بأمر ما بشرود.
وما ان رآني حتى تجهم وجه وتجاهلني فرمقته بهدوء.
لا أكاد أصدق بأنه رين الصغير نفسه!
كل شيء فيه بات مختلفاً. أشتاق إليه كثيراً. لطالما كان وكريس بمثابة الأبناء بالنسبة لي. لطالما شعرت نحوهما بالأمومة!
أفتقد رين الصغير أكثر مما يتصور. أريد معانقته بقوة والبكاء على صدره.
من الصعب تصديق شخصيته الحالية. بعد ان كان ذلك الفتى الحساس اللطيف وسريع الإنفعال. إنه الآن شاب صعب المراس، عصبي ولا يعرف عن اللباقة شيئاً، أسلوبه عدائي جداً ومن الصعب التعامل معه!
لا يمكنني لومه.
لا يمكنني معاتبته على تصرفاته هذه بعد ما فعله كريس به.
ولن أنسى أنه وقع تحت تأثير الصدمة لأسابيع عديدة.
عندما أفاق قرر أن يفترق عن كريس نهائيا ويدرس في مدرسة بعيدة عنه!
أمور سيئة جدا حدثت ومازالت تحدث في هذه العائلة منذ أن عملت هنا.
إنني أعمل في هذا المنزل منذ مدة طويلة جداً.
قبل ولادة كريس.
بل قبل زواج باتريشيا من ماكس.
لا. بل منذ أن كان ماكس شابا في الجامعة.
الفرق بيني وبين ماكس ربما خمس سنوات تقريباً.
إنني أكبر منه سناً ويراني بمثابة الشقيقة المقربة منه. شهدت أمورا كثيرة جدا لا تعد ولا تحصى.
أتساءل متى ستهدأ الإضطرابات هنا، متى ستتماسك هذه العائلة ومتى ستنتهي هذه الخلافات العقيمة!
زفرت بإحباط مبتعدة عن النافذة أنفي برأسي بلا حيلة، خطوات قليلة حتى شعرت بوجود شخص أمامي، رفعت رأسي لأرى رين يعود للخلف بطريقة عكسية واضعا يديه في جيبه وبدى مترددا بطريقة ما وهو يرمقني بنظرات متبرمة!
ارتفع حاجباي وقد اتجهت نحوه وقبل أن أفتح فاهي بادر يقول ببرود: أين أوليفيا؟ لا أراها.
ازدردت ريقي قبل أن أجيبه بهدوء: إنها نائمة.
بدى مستنكرا كثيراً ومع ذلك لم يسأل وإنما أكمل طريقه بغية نزول الدرج حتى استوقفته بسرعة: رين. الا يبدو نومها في وقت كهذا غريباً بالنسبة لك؟
إن كان لديك ما تريدين قوله فافعلي وحسب.
استأت كثيراً لإجابته الجافة وهو يقلب عينيه الزرقاوين بنفاذ صبر، مع أنني تمنيت ولو للحظة قصيرة ان نتحدث كما كنا نفعل في الماضي. ولكن. يبدو أنه لا فائدة تُجنى من التمني.
لقد انهارت شقيقتك وتصرفت بتهور وبالكاد هدأت.
عقد حاجبيه: هاه؟
أومأت بيأس: عادت للتصرف بطريقتها القديمة.
لمعت عينيه بالدهشة وقد أخرج يديه من جيبه هامساً: ما الذي تقولينه!
يبدو أن وجود شارلوت بالنسبة لها أمر من الصعب قبوله. انهارت تماما وقد قصت شعرها بعشوائية واستمرت في البكاء كما وصلني. عليك ان تكون أكثر يقظة لها منذ الآن.
فغر فاهه قليلاً وقد تقدم نحوي بخطى بطيئة: أي هراء هذا!
ثم نظر للفراغ يفكر بعمق وقد أخذ الغضب مجراه على وجهه، وجدت نفسي أقول برجاء ولطف: من فضلك يا رين، انتبه لتصرفاتها وابعدها عن كريس! لا أحد يرغب في إعادة الأحداث السابقة وقد أوقفنا أخيراً تلك المهزلة، أرجوك. كريس الآن متزوج ولديه جيمي. الأمر ليس سيان بالنسبة للماضي!
ماذا إذاً؟
همس بتلك الكلمة وقد احتدتا عينيه! ادهشني ذلك في حين أكمل بتهكم: أتخبرينني بأنك لا تعتقدينه قادرا على حماية نفسه؟
لم أقل هذا. ولكن أوليفيا.
لا يهمني ما قد يحدث له، ولا يهمني نجاحه الحالي في اختيار الزوجة المناسبة أو حتى رغبته في إنشاء مساحته الخاصة ليحرص على ألا يقتحمها أحد، لا تقحميني في شأنه بأي شكل من الأشكال.
رين!
اقتربت منه لأضع يدي على كتفه هامسة بأسى وحزن: لا تكن سطحي التفكير يا بني. أوليفيا من الصعب التنبؤ بتصرفاتها وسلوكياتها تزداد تعقيدا! ستوف تتمادى مع مرور الوقت. لقد كادت تؤذي نفسها اليوم! لحسن الحظ أنها قصدت شعرها فقط. ماذا لو قصدت أمورا أسوأ لاحقا؟
قطب حاجبيه ولمعت عينيه بالاستنكار فاسترسلت بنبرة مرتجفة: إن لم تتصرف أو توقفها عند حدها قبل ان تتمادى فستكون أول من يشعر بالندم.
أشاح بناظريه بعيدا بجمود: ندم؟
لحظات حتى ابتسم بسخرية: ما الذي تتحدثين عنه؟ أنا لن أقف في طريق أوليفيا كما تعتقدين.
اتسعت عيناي بخيبة فأكمل يبعد يدي ببطء: ولكنني لن أسمح لها بالتصرف كما يحلو لها كذلك. يكفي أن هذه المخبولة الأخرى تكون شقيقتي وعلى إحتمالها هي ايضاً.
م. ما الذي يعنيه! ما هذا التناقض؟ لن يوقفها ولن يسمح لها بالتصرف كما تريد؟ ما الذي يحاول قوله!
بللت شفتاي بتوتر وقلق فابتسم بمكر: لم أرى كريس يشتكي أو يقول شيئا بشأنها!
انت تعلم بأنه لن يفعل. فهو لم يقل شيئا منذ أن كان صغيراً حتى اكتشفنا الأمر، لا يمكن بأنك نسيت هذا!
رفع كتفيه بلا إكتراث واستدار مبتعدا ملوحا بيده بملل، فأستوقفته محدقة إلى ظهره بشرود: رين. لقد تغيرت كثيراً!
وقف دون ان يستدير فأكملت بضيق: لم تكن هكذا. نعم من حقك أن تبدي هذه التصرفات العدوانية تجاه كريس. ولكن الغريب انك تغيرت معنا جميعنا. لماذا تفعل هذا؟
نظر إلى بطرف عينه لثوان ثم أطلق زفرة هازئة وقد قال يكتم ضحكته: حقا؟ أقدر لك ملاحظاتك هذه. فأنت على أي حال لم تكوني لتقيمي أفعالي. كل ما كنت تهتمين به هو كريس وحسب. ومازلت كذلك إلا أن هذا الإهتمام انقسم بين جيمي ووالده بالإنصاف. لا تنكري أنك كنت تتجاهلين وجودي منذ البداية سيدة أولين.
ارتفع حاجباي بعدم استيعاب فأسرع يتمتم بلا اكتراث: حسنا دعيني أصحح العبارة. ربما لم تتجاهليني ولكن وجودي لم يكن ذا أهمية بالنسبة لك.
أنت مخطئ!
كريس محظوظ. ولكنه أعمى البصيرة غالبا. لا أدري لماذا شخص مثله محاط بمن يحبونه بالرغم من شخصيته المقرفة. هذا يزعجني حقاً.
أعمى البصيرة؟!
ضحك بخفوت فجأة فأسرعت أنظر إليه بترقب، نفي برأسه ببطء وقد تنهد بعمق: بصراحة كلما فكرت في شارلوت أشعر بالغيرة قليلاً! كيف له أن يجد الفتاة التي تتغاضى عن كل شيء من أجله؟ هل هي مدركة لحقيقة الوغد المتعجرف الذي وقعت في حبه؟ أم تُراها تحت تأثير تعويذة ما؟
استدار مبتعداً: أتساءل إن كانت ستتغاضى عن عيوبي كلها إن قابلتها قبل كريس. لديه حظ من الصعب تصديقه. حظ بأضعاف حظوظ الناس على هذا الكوكب.
راقبته بعيناي وهو يتجه لجناح أوليفيا ويدخل بهدوء شديد مغلقا الباب خلفه.
غير معقول.
أطفال الأمس أصبحوا أشخاص لا أعرفهم! من الصعب فهمهم!
ما خطب عقولهم!
لا. ليس عقولهم.
ما مر به رين لم يكن أمر سهلاً.
هو لن يكف عن الحقد على كريس بسبب الحادثة الأخيرة.
ما الذي على فعله؟
كيف لي أن أعيد المياه لمجاريها؟!
كل الحلول في يد شخص واحد فقط.
إنه كريس.
ولكنه أكثر من على إستبعاده في الوقت آنه!
فلا فائدة من التحايل على كريس بأن يعتذر لرين.
هل ستبقى هذه العائلة في حالة يرثى لها؟
الخالة فيكتوريا قطعت علاقتها بهم تماما.
كريس ابتعد عنهم بسبب اوليفيا وخالته فيكتوريا التي تكره رؤيته.
ورين لا يستطيع مسامحته.
أطلقت تنهيدة إستياء وفرغت طاقتي السلبية قدر المستطاع هامسة بضياع: ما الحل؟
تيا:
رفعت كلتا يداي نحو ثغري وقد اتسعت عيناي بذهول محدقة إلى السيد ماكس الذي ابتسم بلطف.
م. ما الذي أسمعه؟
تنحنح إيثان بتوتر واضح وهو يمرر يده في شعره مسترقا نظرة سريعة نحوي، تسمرت عيناي عليه ثم على والديه وقد ضحكت ستيفاني: أنظر إليها كيف تبدو متفاجئة.
حاولت قدر المستطاع تدارك الأمر قليلا لأتلعثم بإرتباك ودهشة: هل هذه مزحة! أرجوكم. أخبروني الحقيقة!
علق إيثان منزعجا بتوتر: كفاك سخفا. هذا ما كنت أنوي فعله قبل ثلاث سنوات على أي حال. دعينا نكمل حيث توقفنا.
ثم أشاح بوجهه محاولا التخفيف من توتر أعصابه!
تدخل ماكس يكتم ضحكته: كما أخبرتك يا تيا. أنت الآن بمكانة إبنتي ولطالما كنتِ كذلك. سأكون ولياً عنك! سأكون العون لك ولن تحتاجي أي شيء، سأساعدك في الترتيبات كلها حتى ننتهي من كل شيء. لا تنسي بأنني بمثابة والدك. ومكانتك لدي مثل كريس تماماً!
تورد وجهي مبعدة عيناي عنه ونظرت إلى إيثان بعدم تصديق!
لا يمكن.
أنا. لا أستطيع تصديق ما سمعته!
ما هذا؟ هل أنا أبكي؟
إنني. بالفعل أبكي!
اقترب إيثان بتوتر وقلق هامساً بإسمي.
واصلت بكائي الذي علا ودفنت وجهي في الوشاح بقوة.
لقد قال هذه الكلمات للتو! قالها ولا يبدو بأنني أحلم: (لن أجد فرصة ملائمة لقول هذا، كما أنني لم أعد أطيق تأجيل الأمر او تجاوزه أكثر، تيا أنت تدركين جيداً حقيقة مشاعري نحوك، لا زلت أحبك. المشاعر التي أكنها نحوك من الصعب تجاهلها. إن كنت قد خسرت الفرصة قبل ثلاث سنوات فدعيني أقولها الآن. أنا أرغب في التقدم للزواج بك، أنا جاد في هذا ولا يبدو بأنكِ مخيرة في قبولي أو رفضي لأن هذا ما كان من المفترض أن يحدث. لنتزوج وحسب. ).
أغمضت عيناي وهذه الكلمات تسيطر على كل جوارحي وكياني! أشعر بحرارة الخجل تعتريني وعيناي تعاني من حرقة دموع السعادة!
لا أصدق.
لابد وأنني أحلم!
كلمات كهذه وأمام والداه أكثر مما تمنيت حتى.
عرض على الزواج فجأة وأواجه صعوبة بالغة في تمالك نفسي!
لا أظنني قادرة على التوقف عن البكاء! كنت أعيش في ندم طيلة هذه السنوات الماضية، وعندما عادت علاقتنا بدأت أشعر بالخوف من ألا تتطور علاقتنا أكثر لتصبح أقوى مما كانت عليه. ولكن.
هذا مفاجئ!
شعرت بيد ستيفاني التي داعبت شعري بلطف: هيا يا عزيزتي! ارفعي وجهك وانظري إلى ابني الأحمق! إنه متوتر جداً!
أضافت ضاحكة بسخرية: لا يمكنك تخيل دهشتي أنا ومارك عندما أخبرني بالأمر في الأمس قائلا بأنه ينوي الزواج بك!
علق مارك بخبث: انظري إلى نظراته المليئة بالعاطفة! لا أصدق! لقد قرر ابني ان يتزوج أخيراً! بل وأنك اعترفت امامنا بنيتك في التقدم إليها قبل ثلاثة سنوات. هذا يفسر أمور كثيرة! أنا وسام ذهبنا مرات عديدة لأخذك من الحانة وانت مجرد متهور ثمل يردد كلام فارغ، اتضح انه لم يكن كلاما فارغاً. ما الذي فعلته بقلب ابني يا تيا!
أبي.!
قالها إيثان بإنزعاج فضحك السيد ماكس بخفوت…
ربتت ستيفاني على ظهري قائلة بلطف ومزاح: هيا يا تيا كفي عن البكاء! أنظري إليه كيف يبدو مرتبكاً! ربما لن تري ردة الفعل هذه مجدداً!
أضافت مشجعة: علينا أن نوثق لحظة ارتدائك للخاتم!
علق مارك باستغراب: هي لم توافق بعد.
اندفعت لأرفع رأسي بسرعة قائلة بنبرتي الباكية: أنا موافقة! موافقة بلا شك.
حدقوا إلى بحيرة واستغراب حتى انفجر الثلاثة ضاحكين بينما نظر إيثان نحوي بابتسامة دافئة!
استوعبت الأمر مشيحة بوجهي بإرتباك أواصل البكاء كالحمقاء فاتسعت ابتسامته وقد وقف مقتربا وهو يجبرني على الوقوف ويعانقني.
بدأ مارك يصور اللحظات بينما ستيفاني تصفق بسعادة وقد دمعت عينيها الخضراوين رافضة انتزاع بصرها عنا وكأنها أثمن لحظة بالنسبة إليها.
نظرت للسيد ماكس وأنا أسند رأسي على صدر إيثان أحدق إلى الخاتم الذي استقر على اصبعي وقد قلت محاولة التوقف عن البكاء: سيد ماكس.
اقترب مني بملامحه الرزينة وابتسامته اللطيفة وقال: أنا موجود دائما وسأساعدك يا ابنتي في أي لحظة تحتاجينني فيها.
تنهدت وقد كانت تنهيدة مرتجفة عالية وأومأت برأسي أحدق إليه بإمتنان، الكلمات عاجزة عن التعبير في وقت كهذا! إنه الأب الذي عوضني عن أمور كثيرة! ليس بحاجة ليعدني بأنه سيكون وليي أو ظلي. فلطالما كان كذلك!
حدق إلى لوهلة ثم نظر نحو إيثان بحزم: حسنا يا إيثان. تيا إبنتي. وأنت شخص مميز وعزيز، ولكن إن أتت تيا باكية إلى في يوم ما فلن أكون لطيفاً معك.
ابتسم إيثان بثقة مربتاً على رأسي: اطمئن سيد ماكس. أنت من بين الجميع تعرف جيدا ما تعنيه تيا لي.
أردف بتردد: كما أنك تعلم بأنني كنت أتوق لهذه اللحظة ولكن القضية تلك أفسدت كل شيء.
عندما قال هذا انفجرت فجأة باكية وقد شعرت بالخجل من نفسي!
لولا غدري به لما أفسدت علاقتنا، لو لم أتخلى عنه لما افترقنا الثلاثة أعوام الماضية، همست بحزن وبكاء: إنه خطأي. كنت من تخلت عنك وتسببت بكل هذه الفوضى، أنا حقا آسفة.
شعرت به يبتسم وقد مرر يده على ظهري: فكري في الحاضر والمستقبل ودعك من هذا الحوار البائس.
إيثان. سيكون زوج المستقبل؟! سأكمل باقي حياتي معه؟
ظننت بأن مشاعره نحوي ستتغير ولكن وكأنني تشاجرت معه قبل شهور وليس ثلاث سنوات!
رفعت عيناي نحوه وقد توقفت عن البكاء الذي أراهن على أنني ازعجتهم به، لمعت عينيه الخضراوان ببريق عميق جداً أغرقني فيه وأدركت حينها أننا تبادلنا القبلة متجاهلان وجود الثلاثة أمامنا!
أغمضت عيناي متشبثة بمعطفه أبادله هذه القبلة أمنع نفسي من ذرف المزيد من الدموع، لا يجب أن أفسد هذه اللحظات، يمكنني البكاء لاحقا ولكن ليس الآن.
إنه يعلم جيداً كيف يفاجئني، يدرك كيف يجعلني أحلق بلا جناحين.
كيف بحق الإله سأجرؤ على التوقف عن حبه؟
الآن فقط يمكنني إطلاق العنان لمخيلتي لأسرح وأشرد بذهني مفكرة في مستقبلنا معاً!
سمحت صوت تنحنح والده فابتعدنا عن بعضنا ليقول ماكس فوراً بتلعثم: حسنا يا إيثان. تيا وافقت، بقي أن تتفقا أنتما الإثنان على الموعد والفترة التي ستكفيكما لكل التجهيزات وأنصحك بأن لا تستعجل الأمور.
أمال إيثان برأسه ونظر نحوي فانتفضت بتوتر.
سنحدد الموعد!
لا أذكر بأن قلبي خفق بهذه القوة مسبقاً!
بعد لحظات كنت أجلس بجانب إيثان مقابل الجميع ونحن نناقش الموضوع، شبك أنامله بين أناملي فأمضيت وقتي أتأمل الخاتم بشرود.
الإرتباك الشديد يسيطر علي، حتى أنني أشعر بمرور الوقت بسرعة غير مبررة على عكس العادة! ربما لأنني بالكاد استوعب ما يحدث حولي.
كما شعرت بتوتر إيثان وهو يهز قدميه تحت الطاولة دون توقف وهذا ما وترني أنا أيضاً!
أفقت على صوت ستيفاني: أنا أيضا أرى ان الفترة مناسبة ما رأيكما أنتما؟
نظرت إليها محاولة فهم ما تتحدث عنه فهمس إيثان لي: ستة أشهر؟
بعد ستة أشهر من الآن؟
سأكون زوجة إيثان بعد ستة أشهر؟!
ارتجفت يدي وقد انتزعتها من بين أنامله وارحتها في حجري هامسة: أ. أنا لا مانع لدي! ما رأيك أنت؟
أنت من عليها إبداء رأيها!
أضاف مبتسماً: عروسي ستحتاج وقتا لتجهيز نفسها لتستعد تماماً، إن كنت تشعرين بأن ستة أشهر فترة غير كافية فلماذا لا نجعلها ستة أشهر ونصف؟
علق مارك بسخرية: لماذا جعلتها أطول بكثير يا بني، قم بتقليصها قليلاً. أي حماس مرعب هذا بحق السماء؟
ازدردت ريقي بصعوبة شديدة في حين امتعض إيثان يحدق إلى والده.
المشكلة ليست في الفترة!
بل لا يوجد مشكلة.
أنا فقط ما زلت متفاجئة كثيراً!
كل شيء حدث يبدو مجرد حلم لا أود الاستيقاظ منه.
تساءل ماكس بهدوء وإهتمام: ما الأمر يا تيا، هل من خطب يا ابنتي؟
علقت ستيفاني ممازحة: اليس من الواضح انها ترفضك يا إيثان.؟ ياللخزي!
ابتسم مارك بإستهزاء فرفعت رأسي نحوهم انفي بسرعة و أبعد الخصل المتمردة خلف أذني: كنت فقط أفكر بأن. الأمر باهتني قليلاً، إنني سعيدة جداً لسماع أمر كهذا ولكنني.
ابتسم السيد ماكس مقاطعا: فهمت.
حول نظره نحو إيثان ثم قال بجدية: إيثان. تيا محقة، الأمر فاجأها طبعاً ومن حقكما أخذ وقتكما الكامل في التفكير في كل شيء، لا تقتصر الأمور على الفترة وإنما هناك الكثير من المواضيع التي تحتاج لفتح أبواب النقاش بشأنها. حياتكما المستقبلية، العمل، المدينة والمتطلبات الأخرى.
نظرت لإيثان خلسة فوجدته يستمع للسيد ماكس بهدوء حتى أمال برأسه بتفهم: أنت محق. يكفي أنك وافقت يا تيا. وهذا أكثر ما يشعرني بالراحة.
ابتسمتُ أطرف بعيني بسرعة فقال مارك: حسنا يا إيثان لماذا لا نترككما معاً؟ تحدثا وخذا كامل وقتيكما ولا تستعجلا الأمور مهما يكن، إياكما والتسرع.
أيدته ستيفاني: أنت محق. لنغادر الآن ونتركهما معاً.
وقف السيد ماكس: حسناً إذا لما لا تشرفانني في المنزل؟
نظرت ستيفاني ومارك إلى بعضهما ليبتسم مارك: لا مانع طالما أننا هنا.
وقفا الإثنان فوقفت أنا وإيثان كذلك.
ابتسم إيثان بهدوء: استمتعوا بوقتكم.
أومأ ماكس: لا تنسى ما قلته للتو.
نظر إيثان نحوي قبل أن يقول بثقة: لن أنسى. شكرا جزيلا سيد ماكس لوقوفك ومساعدتك لنا. هذا لطف منك.
لم أقم بشيء! تيا ابنتي ومن واجبي مساندتها في السراء والضراء.
بعدها خرجوا لنبقى أنا وإيثان وحدنا.
و. وحدنا؟!
زميت شفتاي متحاشية النظر إليه.
أنا متوترة.
أشعر بالإرتباك مرة أخرى!
لا أحد هنا سوانا!
م. ما الذي على فعله أو قوله؟ تقدم منذ قليل فقط للزواج بي.
لم تمر سوى بضع دقائق فقط!
رفعت يدي لأضعها على صدري بتوتر محاولة تهدئة نفسي.
حسنا؟
انتفضت لصوته العميق المتلعثم وقلت بإندفاع مثير للسخرية: ما. ماذا؟
نظر إلى لثوان حتى ضحك بخفوت: من الجيد أنني لست الشخص المرتبك الوحيد هنا!
بللت شفتاي هامسة: إيثان أنا سعيدة جداً. إياك وأن تسئ فهم تصرفاتي المضطربة هذه!
نظرت إليه بترقب فتعلقت عينيه بي ليهمس: أدهشتني كثيراً عندما انفجرت باكية.
أنا أيضا دُهشت من نفسي.
تابعت ببطء: لا فكرة لديك عن المشاعر الجياشة التي اجتاحتني! لم أجد سوى أن أنفجر باكية مفرغة دهشتي مما سمعته.
ظل يتفرس بعينيه في وجهي فاقتربت مبتسمة محاولة تجاهل توتري قليلاً: ستة أشهر ونصف، لا مجال للتراجع، حتى وإن وقع أي أمر طارئ فسأعدو خلفك بفستاني الأبيض يا إيثان. هل تفهم هذا؟
ضحك بخفوت قبل ان تتعالى ضحكاته فارتفع حاجباي بحيرة، قال من بين ضحكاته: التصورات الصخبة تكون نقمة أحيانا.
ثم اقترب ليجذبني نحوه ويعانقني بلطف وقد توقف عن الضحك تدريجياً: أتعلمين. لو لم نكن عدنا لعلاقتنا السابقة لربما صبري كان قد نفذ واتبعت خطوة متهورة جداً. ربما سأذهب إليك وأصرخ في وجهك مهدداً. تزوجيني وإلا قتلتك حالاً! لن أستبعد أن أتفوه بأمر كهذا. لقد انتظرت ثلاث سنوات كاملة وليس بوسعي الإنتظار أكثر. ألا يمكننا تقليص المدة إلى ستة أشهر؟
دفنت وجهي في صدره هامسة بإسمه بحب قد انفجر من تلقاء نفسه متخلصا من أي قيد حوله.
إيثان. منذ أن رأيتك أول مرة راودني شعور ما. شعرت بأنك لن تكون مجرد شخص عابر في حياتي! يجب أن تكون شخص ذو مكانة مميزة. لا يجب ان تمر هذه السنوات هكذا فقط، ولا يمكن أن تكون علاقتنا مجرد علاقة عابرة وحديثنا من فراغ. كنت أعلم منذ البداية أنك لن تخرج من حياتي ببساطة.
أبعدني عنه ببطء: لقد شعرت بذلك أيضا! كنت أ.
ولكنني أوقفته بقبلة لطيفة وأنا أجبره على الإنحناء نحوي أقف على أطراف أصابع قدمي متشبثة به للحظة قبل أن أبتعد مبتسمة بهدوء.
إيثان كان الشخص المقدر لي بالفعل.
لا يمكنني تقبل أي فكرة أخرى!
طرف بعينيه الخضراوين ببطء قبل ان ينفي بسخرية: يا للجرأة! مجدداً؟!
ا. اخرس، لا تعتقد بأنني سأتظاهر بكوني تلك الخجولة وما شابه!
خرجنا من المطعم نتشابك الأيدي ولمحته يبتسم وبدى يفكر بعمق، لم نتبادل أي حديث حتى وصلنا إلى سيارتي فاستوعب الأمر ينظر من حوله: لماذا سيارتك بدلا من سيارتي؟
فتحت الباب وزميت شفتي بتردد ممسكة بيده بقوة: إيثان، أريد أن أطلب منك معروفا.
أضفت بسرعة: ولكن لا تسيء فهمي أرجوك.
ارتفع حاجبيه ولمعت عينيه بالاهتمام ينظر إلى يدي التي تمسك بيده بقوة ثم وجه نظره نحوي: ما الأمر!
ع. عدني ألا تغضب!
هآه!
أسرع.
أومأ باستغراب: أعدك. سأحاول! أخبريني بسرعة ما الأمر لقد بدأت أقلق!
أخذت شهيقا عميقا ثم قلت بسرعة مفجرة الكلمات دون توقف: أنت تدرك بأن كريس صديق طفولتي المقرب والوحيد لدي وتقدمك للزواج بي أسعدني كثيرا كما تعلم ولكنني أريد من كريس أن يعلم بالأمر أيضا ولا تقلق لرأيه أو لردة فعله فكل ما أريده هو أن أخبره بنفسي وحسب. أريده أن يكون أول من يعلم بأمر كهذا.
عقد حاجبيه باستنكار ثم ابتسم بسخرية: من الطبيعي أن تخبريه فلماذا كل هذه الزوبعة والقلق.
نفيت بتردد: أعلم. ولكن. أريدك أن تأتي برفقتي.
أشاح بنظره بعيدا يزفر بنفاذ صبر فأسرعت أكمل: أرجوك يا إيثان! ستفعل الأمر ذاته عندما تعرفني على أحد الأشخاص وتشير نحوي قائلا بأنني سأكون زوجتك!
سيكون هذا في حالة حديثي مع شخص لا أعرفه.
إيثان! لا بد وأنه يوجد من تريد إعلامه بخبر كهذا فوراً. من فضلك!
رددت إسمه برجاء مضيفة: لن تتحدث معه صدقني، سأخبره بالأمر فقط وسنغادر فوراً ون…
تيا. لا يوجد ما أفعله بذهابي إليه أو النظر إلى وجه هذا الجرو المدلل.
تقوست شفتاي بشكل لا إرادي هامسة بإسمه برجاء وأتبعت ذلك أحتضن ذراعه بقوة: لن أطلب منك أي أمر آخر، بل ولا أمانع في تقليص المدة إلى ستة أشهر فقط أو حتى خمسة. دعنا نذهب معاً وسأخبره بنفسي ثم نعود أدراجنا إلى أي مكان تريده.
بدى وكأنه يفكر بالأمر ملياً فأضفت بنبرة حاولت جعلها الطف بكثير بمسايرة: ماذا عن شقيقتك شارلوت؟ ألا تريد الإطمئنان عليها؟
بالطبع أريد، ولكن.
إذا انتظر. سأتصل به وأرى إلى أين ذهبا.
حاول الإعتراض فبقيت أحتضن ذراعه وأخرجت هاتفي فوراً لأتصل بكريس، لحظات من الإنتظار وتجاهل تذمر إيثان حتى أجابني: حسناً إنها آخر مكالمة أجيب عليها لأنني مللت الرد على الجميع في كل حين.
ابتسمت دون شعور ثم سألته: لا بد وأن الجميع يريد الإطمئنان على شارلوت، عليك ان تعلم ان والديها في هذه المدينة ولو علما بالأمر فستكون مضطراً كذلك للإجابة عليهما، على أي حال كيف هي شارلوت الآن؟ هل هي على ما يرام؟!
لماذا هما هنا؟
ستعلم لاحقاً. لم تخبرني، كيف هي؟
إنها بخير.
حقاً؟ ما الذي قاله الطبيب؟
لم تتضرر الأنسجة ولا داعي للخوف، على كل حال إنها معي في منزلي.
منزلك الخاص؟
نعم.
سمعت صوت شارلوت التي قالت بحماس: أخبرها بأنني بخير وبأحسن حال وأستطيع الركض والقفز وممارسة حياتي الطبيعية.
أتى صوت كريس بإستخفاف: سمعتي؟
ابتسمت براحة: نعم!
أضفت بهدوء: حسناً يا كريس أردت الإطمئنان وحسب.
لا تعاودي الإتصال.
أغلق الهاتف فرفعت رأسي نحو إيثان مبتسمة بهدوء فبادر يسألني بإهتمام: هي بخير اليس كذلك؟ ليس بالشيء الكبير؟
نعم، قال بأن الأنسجة لم تتضرر، لا تقلق.
بعثر شعره بسرعة وهمس: أتساءل إن كانت تقول هذا حتى لا يقلق أحد.
رفعت كتفاي: لا أعلم ولكن كريس أيد ذلك أيضاً.
عقد حاجبيه ينظر إلى ثم الفراغ قبل ان تلمع عيناه الخضراوان بالملل: انصتي، سأذهب لسبب واحد وحسب، سأتفقد شقيقتي وهذا كل شيء. وإن أردت إخباره بأمر زواجنا فأخبريه ولكن لا تقحميني في حديث معه ولو لأقل من ثانية.
نظرت إليه منصتة بتركيز ثم سرعان ما ابتسمت بسعادة: حقاً! لا تقلق لن أفعل. لنذهب إذاً.
من الأفضل أن نذهب بسيارتي.
أسرعت أميل برأسي إيجاباً دون إعتراض وركبت بجانبه بحماس.
سأخبر كريس.
يجب أن يكون أول شخص يعرف الأمر، إنه عائلتي كلها ولا يوجد من أتشارك معه فرحتي هذه سواه.
شارلوت:
كنتُ أنظر إلى النار المشتعلة في المدفأة مستمتعة بالدفء الذي أحدثته.
أشد الغطاء الذي أحضره كريس من الغرفة العلوية.
بذكره الآن أشعر بالإنزعاج وأنا أراه يتحدث على الهاتف حول أمور الشركة مع شخص ما وأنا أجلس هنا منذ نصف ساعة وحدي. بعد مكالمته مع تيا تهالت عليه الإتصالات بشأن العمل، كل ما أفعله هو التحديق إلى نيران المدفأة واختلاس النظرات نحوه في كل حين أستمع على عصبيته مع الطرف الآخر وهو يشرح له أمورا تخص عقود وما إلى ذلك.
إنه واقف على درج المنزل ينزل ويصعد ويتحرك هنا وهناك وهو يتحدث بإندماج عاجزٍ عن الوقوف في مكان واحد.
ربما لو استمر هكذا لن يدرك وقوفه في منتصف البحر بسبب إندماجه الشديد.
بمناسبة التفكير في البحر، أمواجه عاتية وقوية وصوتها واضح جداً! الرياح أيضا ليست لطيفة على الإطلاق، الغيوم تزداد سمكاً وتنذر بإحتمالية هطول المطر الذي لي يكون مجرد زخات خفيفة.
تنهدت بعمق شديد اسند ذقني على مرفقاي أضم قدماي إلى بملل، التفت برأسي قليلا لأراه يمرر يده في شعره واضعا يده الأخرى على خصره بنفاذ صبر وقد انتبه لي قبل ان يستدير ليعطيني ظهره وصعد الدرج مجدداً يكمل هذه المكالمة التي أظنها أبدية.
بحثت بنظري عن أي شيء يمكنني استخدامه لأربط فيه شعري فهو يزعجني كثيراً.
ولكنني في الوقت آنه شعرت بالكسل للتحرك فبقيت في مكاني أدخل يدي في جيبي بغية العبث بهاتفي قبل أن أستوعب انني لم أحظره معي.
وقفت ببطء وحذر أحرك ساقي بهدوء، اتجهت نحو طاولة التحضير المقابلة لباب المنزل الزجاجي، كدت أجلس ولكنني غيرت وجهي إلى الثلاجة لأخرج قارورة ماء لأسكب القليل في الكوب.
ثم تسمرت عيناي على أكواب الشاي وفكرت. لما لا أعد الشاي لي وله؟ سيفي بالغرض ليدفئنا قليلاً.
أخرجت علبة الشاي و وضعت الماء في الغلاية الكهربائية وقد جلست على كرسي طاولة التحضير التي كانت مرتفعة بعض الشيء أحدق إلى كريس الذي نزل وقد توقف أخيرا عن الحديث في هاتفه.
لم أكد أبتسم وأفتح موضوعاً حتى وصله إشعاراً فنظر إلى الشاشة بإنهماك حتى زفر: اللعنة عليك يا فابيان.
سمعت صوت غلي الماء فنزلت من على الكرسي أنظر إلى كريس بتردد واستغراب، امسكت بالغلاية لأسكب الماء في الأكواب فتقدم ليجلس على الكرسي أخيراً وهو ما يزال ينظر للهاتف ويبدو أنه يرسل الرسائل النصية بسرعة.
وعندما انتهى وضع الهاتف على الطاولة أمامنا وقد رفع كوب الشاي الذي أعددته ينظر للأمام يفكر بعمق، اسندت وجنتي على كف يدي متمتمة: هل هذا ما قصدته بأن نقضي الوقت معاً؟ ياللسعادتي.
نظر إلى بهدوء وارتشف من الكوب هامساً: ذلك الكهل المنافق يزعجني، لو كان أصغر سناً فقط لأوسعته ضرباً.
ما خطبه!
رفع كتفيه مختصرا الأمر ومتجاوزاً إياه: يحاول التصرف كما يحلو له في العمل. فليكن.
أومأت ولم أتوغل في الأمر كما يشاء وقد غيرت الموضوع: هل أجد هنا ما يمكنني رفع شعري به؟ أريد أن أجمره ولكنني لا أجد شيئاً. أو بالأحرى لم أبحث بعد.
نفي ببساطة: لا يوجد.
لا أريد تركه مسدلاً، إنه يزعجني.
قلتها وانا ارفع يداي أحاول جمعه فابتسم: اتركيه وشأنه وحسب.
جمعته إلى الجانب الأيمن ثم تساءلت بإهتمام وحماس: ماذا سنفعل الآن؟
رفع الكوب مفكراً: لا خطة لدي. أشعر بالبرد فلا تخبريني بأنك تريدين التنزه خارجاً.
نفيت بسخرية: من سيفعل! الطقس في الخارج مضطرب جداً.
عندما أنهيت جملتي أضاءت شاشة هاتفه وقد ظهر مربع نصي للإشعار فلويت شفتي بملل وإحباط أحدق إلى الهاتف بيأس، تجاهل الأمر في حين عقدت حاجباي وقد لمحت جملة لا أدري إن كانت حقيقة أو مجرد وحي من الخيال!
امتدت يدي دون شعور أرفع هاتفه وأنظر إلى الشاشة بعدم استيعاب، أجفلت عندما انتزعه مني بإمتعاض: لست متفرغاً لأي مكالمة أو رسالة فليذهب الهاتف إلى الجحيم.
ولكنني عاودت أنتزع الهاتف من يده وقد وقفتُ أعقد حاجباي بارتياب: ما هذا؟
بدى الإستنكار وعدم الفهم على وجهه لأكمل: لست متفرغاً أم تُراك لا تريد أن أرى أمراً كهذا؟
رفع حاجبه الأيسر: هاه؟
وضعت الهاتف أمام وجهه بغضب: هذا ما أتحدث عنه! أنت. بالفعل مجرد خائن غادر!
ما الذي تهذين به!
قالها وقد أخذ الهاتف ينظر إليه في حين وقفت في مكاني بيأس شديد!
كل ما أردته قليل من الإخلاص فقط. أردت أن أشعر بقليل من هذا الإخلاص الموجه لي وحدي.
شعرت بشفتي ترتجف بحزن فأسرعت أشيح بوجهي وقد سلكت الدموع مجراها فحاولتُ جاهدة ألا أذرفها.
خائن. هذه حقيقة لن تتغير!
تلك الرسالة واضحة وضوح الشمس، رأيت رسالة تحوي ترجمة لشوق امرأة ما.
كتبت فيها وبكل جرأة (أنا مشتاقة إليك كثيراً، متى سأراك؟! ).
زميت شفتي بقوة واستدرت ليواجه ظهري هامسة: هذا كثير. أردت أن أثق بك ولكن من الواضح أن هذه النقطة من الصعب تحقيقها. هل حقا تطلب مني أن نمضي وقتنا معاً في حين لا تكف عن إستغفالي؟ عدم مبادلتك لمشاعري لا يسمح لكَ بالعبث بي كيفما تشاء.
شعرت به يقف وقد أدارني نحوه مبتسماً بإستهزاء: هل أنتِ حمقاء؟ هذا التفسير ال.
قاطعته أبعد يديه بحزم: أعدني إلى المنزل.
ويجرؤ على التبسم في وجهي هكذا! ياللجرأة. لا يمكنني تصديقه!
ظل يحدق إلى بشيء من الملل فأضفت بحدة: ما الذي تنتظره؟ إن كنت ترفض إعادتي للمنزل فسأفعل وحدي، هذا أفضل من الجلوس مع خائن مثلك تحت سقف واحد. لا تقلق ستكون فرصة ملائمة لك للرد على رسائلها.
أومأ بتبرم: حسنا. هل انتهيت؟
زمجرت بغيض: ما برودة الاعصاب هذه؟ من تكون؟ صاحبة الفستان العاري أم انها أوليفيا التي قد تكون استيقظت واشتاقت إليك؟ أو ربما امرأة أخرى جديدة على الساحة!
ما هذا السُخف؟
اسمع.
قلتها بحزم وجفاء أرفع يدي اليمنى أمامه أستوقفه حديثا وأعقب: لم يعد يهمني أي شيء، تحدث مع من تشاء، واعد النساء وافعل ما يحلو لك. لن يتغير أي شيء وسأبقى مجرد مغفلة تنتظر أن تلقى منك قليلا من الوفاء، أعدني إلى المنزل.
أخذ الإستغراب مجراه على وجهه مما أغضبني كثيراً! كدت أنفجر في وجهه لولا انني وقفت في مكاني بدهشة أراه يضحك بخفوت.
صرخت بنفاذ صبر: ما المضحك؟
أجابني من بين ضحكاته الساخرة: المضحك أنكِ تغارين من طفلة لم تتجاوز التاسعة من عمرها.
عقدت حاجباي بإنزعاج وعدم فهم: عن أي طفلة تتحدث؟
نفي برأسه بإستخفاف وهدأ للحظة قبل ان يعاود الضحك مجددا وهو يرفع الهاتف أمامي: يوجد بالفعل من تقول بأنها اشتاقت إلي، ولكنها ابنة أحد زملائي، مجرد طفلة صغيرة متعلقة بي وأراها بين فترات متراوحة، لم تكن من كتبت تلك الجملة بل والدها قد كتبها نيابة عنها ليوصل إلى سلامها وحسب.
طفلة. في التاسعة!
هي من قالت ذلك؟!
ازدردت ريقي بصعوبة أحدق إليه بتشتت وتردد فتنهد بعمق وانزل هاتفه يضعه على الطاولة ثم نظر إلى وبدى يحاول ان يبدو جادا ويكتم سخريته مني: ألا يبدو مظهرك سخيفاً الآن؟
أشحت بوجهي بسرعة أطرف بعيني بتوتر، إن كان الأمر هكذا. فأنا بالفعل أبدو في مظهر سخيف مثير للسخرية!
إنه خطأه! لماذا لم يوضح الأمر فوراً قبل ان أحلق بأفكاري بعيداً؟
رصيت على أسناني هامسة بإنزعاج شديد: هذا لا يغير حقيقة أنك احتفظت بفستان مثير للغثيان في منزلك لتلك المرأة.
تكتف بملل: هذه المرأة تصمم الأزياء وفساتين السهرات، أتت إحدى المرات لتلقي تحيتها ونسيت الفستان الذي كان بحوزتها لأجل معرض سيُقام. ولكنه قد تمزق تماما والشكر لكِ فاضطرت لتصميم زي آخر.
اتسعت عيناي بذهول وقد فغرت فاهيي!
تصمم. أزياء! و. ولكنها!
تورد وجهي رغماً عني وقد شعرت بالإحراج الشديد أبعد ناظري عنه متمتمة بتلعثم: ولكنها. كانت تحاول التحدث بغنج ودلال واضح. لقد كانت.
إنها طبيعتها في الحديث حتى مع الطفل الذي لم يبلغ.
طأطأت رأسي وقد بدأت أشعر بكم كان تصرفي يبدو مضحكا حينهاً! ردة فعلي الغاضبة آنذاك جعلته يدرك أنني كنت أحترق غيرة. يا الهي.
أنصتِ.
قالها بهدوء وقد جلس على الكرسي مجددا وأكمل: توقفي عن التفكير بي بهذه الطريقة.
رمقته بعدم فهم قبل أن أشيح بوجهي بسرعة، أنا مرتبكة. أشعر بالخجل من نفسي قليلاً ومن غيرتي هذه!
استرسل بنبرة متزنة: أنا جاد. توقفي عن النظر إلى كما لو كنت مجرد زير نساء. ليس وكأنني سأتمادى في علاقاتي بهذه الطريقة. أكره تفسير ما أفعله ولكنني مجبر على هذا بسبب تفكيرك السطحي.
رفع الكوب نحو ثغره يرتشف آخر قطرات الشاي ثم تمتم: اجلسي واطردي الأفكار المضحكة من رأسك.
لويت شفتي أتظاهر بالبرود وأنا أجلس أحدق إلى كوب الشاي الذي أنهيته في رشفة واحدة وقد أصبح دافئا، وضعته في مكانه بصمت والتفت قليلا أنظر إلى البحر من خلال الباب الزجاجي.
لا أجرؤ على قول شيء.
يا لي من مثيرة للشفقة، كيف أكون مندفعة هكذا ثم يتضح أنني أسأت الفهم وفسرته كما يحلو لي؟
ولكن. تنتابني سعادة شديدة، إن كان لا علاقات له فهذا يسرني حقاً!
ابتسمت دون شعور ثم نظرت إليه بطرف عيني، كان يمرر اصبعه على الكوب الفارغ بتثاقل، على تغيير الموضوع والتصرف وكأن شيئاً لم يكن: هل تذكر عندما أخبرتني بأنك تنوي توطيد علاقتك بجيمي؟
أومأ ونظر إلى بترقب فأكملت مفكرة: ولكنني لا زلت مستنكرة لتأخرك الشديد، لماذا لم تبادر بعد؟
نفي ببطء: لا أدري. الأمر صعب جداً. لا أعلم كيف لي أن أبدأ.
لقد كان خائفا جداً اليوم بسبب ما حدث مع بريتني، حاول ان تكسر الأجواء الجامدة بينكما بأي طريقة.
حذرته مئة مرة من اللعب بعيدا عن أعين الخدم أو عن اللعب في الأماكن الخطيرة، إنني ممتن لكون بريتني بخير ولكنني لم أكن قادرا على التوقف عن التفكير. ماذا لو كان من تعرض للخطر! هذا ما جعلني أكاد أفقد صوابي.
ابتسمت بهدوء: هذا طبيعي جداً. ماذا عن العودة في المساء والبقاء معه حتى يغط في النوم؟
طرف بعينه ينظر للفراغ قبل ان يجيب: لا أعلم. التحدث عن الأمر سهل ولكن. لا يبدو كذلك حقاً بالنسبة لي، كما أنني.
بتر كلماته وبدى يغوص بعينيه بالفراغ قبل تلمع ببريقها العسلي المميز ليردف بصوت منخفض قليلاً: عندما ظننت بأنني سأودع الحياة حين طعنني براد. شعرت برغبة ملحة في النظر إلى وجه جيمي. ظننتها ستكون آخر لحظات حياتي وكم شعرت بالندم حينها.
دمعت عيناي دون شعور فأكمل متنهداً: سأحاول التقرب إليه، سأستغل أمر المخيم أيضاً. غداً سأحاول أن أبدو أقرب إليه مع أنني أشعر بأن الأمر سيكون صعباً جداً.
ابتسمت متمالكة نفسي: بالطبع سيكون صعباً، لا تقلق سأساعدك قدر المستطاع.
لم يعلق فساد الصمت المكان إلا من صوت الأمواج العاتية فهمست بإسمه متذكرة أمرا ما، أصدر همهمة تساؤل فقلت: ذلك اليوم عندما كنت تبحث عن الملف الأحمر. ألا تذكر أمرا قد تفوهت به؟
ارتفع حاجبيه بإستغراب مفكراً للحظة، ثم نفي برأسه: لا أذكر بأنني قلت أمرا مميزاً! لماذا؟
ابتسمت بهدوء: ولكنك قلتا أمراً أسعد والدك كثيراً. وأدهشني أنا وعمتك كلوديا أكثر مما تتصور!
ظهرت تقطيبة صغيرة من حاجبيه وهمس بإستنكار: أمرا أسعده! ما الذي قلته، كنت غاضباً فماذا عساي أفعل ليشعر بالسعادة أصلاً!
لما لا تخمن؟
قلتها بابتسامة تحدي فقلب عينيه بملل: كفاك وأخبريني.
قلت أمام الجميع بأنك تحبني ومجنون بي.
طرف بعينه باستغراب شديد وحين ضحكت بخفوت أدرك الأمر ليدفع كتفي بخفة مبتسما بإستنكار: ظريفة جداً.
أومأت: كانت مزحة. قلت أمراً أكثر أهمية.
تنهد بلا حيلة: أسرعي.
حسنا حسنا.
أضفت محدقة إليه بتمعن أترقب ردة فعله: لقد ناديت السيد ماكس بأبي. لم تناده بإسمه كالمعتاد.
أمال برأسه بفهم وهو يمرر أنامله على الطاولة قبل ان تتسع عينيه باستيعاب وينظر إلى بعدم تصديق!
أرجعت الخصل المتمردة خلف أذني: تفوهت بذلك دون أن تشعر.
أشاح بوجهه للجهة المعاكسة ففكرت بما يجول في خاطره الآن!
ارتفع حاجباي بحيرة ونظرت إليه بترقب.
أي نوع من التعابير يظهرها يا ترى؟
لابد وأنه.
غير مصدق وقد يكون. مندهشا من نفسه أو حتى مُحرجاً بعض الشيء!
مرت لحظات حتى تمتم دون أن ينظر نحوي: لا أذكر بأنني قلت أمر كهذا.
ولكنك كنت ستقوله عاجلاً أم آجلاً.
كفاك هراءً.
لقد قلتها دون قصد يا كريس. هذا يعني بأنك كنت مستعداً!
موعد أذان المغرب اليوم: تعرف على مواقيت الصلاة لآخر أيام رمضان 30-3-2025
متى تبدأ ترديد وتشغيل تكبيرات عيد الفطر وما الوقت المستحب لذلك؟
تردد قناة الحياة الحمراء 2025: طريقة سهلة لضبط قناتك المفضلة الآن
رينارد يشد قميص مدرب الصين: هل فقد أعصابه في المباراة؟
عادات صباحية للتغلب على النسيان
سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري في ختام تعاملات البنوك
الحق جاوب: إجابة سؤال الحلقة 22 من مدفع رمضان 2025 للفوز بـ300 ألف جنيه
ميناء دمياط يستقبل دفعة أوناش رصيف جديدة لتعزيز قدرة محطة الحاويات “تحيا مصر 1”