رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الأربعون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الأربعون

تيا:
يدهشني كثيراً انه وضع في الحسبان ضرورة جلب ملابس احتياطية معه، وصلنا قبل لحظات إلى شقتي كما أوضح لي أن كلا والديه قد لا تعجبهما فكرة أن نتشارك المكان ذاته، أخبرني أن والدته أوضحت له حقيقة لم تجد لذكرها أهمية فيما مضى، كانت السيدة ستيفاني حاملاً بإيثان مما دفعها للزواج بالسيد مارك دون تردد. هذا أدهشني حقاً!
هذا يعني أنها لا تريد تكرارا أياً من الأخطاء السابقة.

لذا سأحفظ مشاركته لشقتي اليوم سراً حتى لا ينزعجا.
كما أننا مضطران لهذا فيوجد الكثير لنناقشه ونتحدث حوله، دخل إلى حمام الغرفة المجاورة ليستحم وها أنا ذا أحضرت دفتراً صغيراً للملاحظات و قلما متجهة لغرفة الجلوس.
وضعتهما على الطاولة وتحركت نحو الشرفة لأفتحها وأسمح للرياح الباردة ان تسلك مجراها وتداعب هواء الشقة. كما أضفى صوت السيارات في الخارج أجواء حيوية أكثر.

عدت للأريكة وجلست ممسكة بجهاز التحكم أشاهد برنامجاً ترفيهيا ريثما ينتهي إيثان.
ربما نصف ساعة أو أكثر بقليل.
وخرج من الغرفة واضعا المنشفة على رأسه مجففاً شعره: يا الهي الماء كان ساخنا ومريحاً لم أكن أرغب في الخروج من الحمام.
دع أمر الإستحمام جانباً الآن.
ما هذا؟
أضاف بسخرية: طريقة إمساكك لهذا الدفتر واحكام قبضتك على القلم تشعرني بأنه سيتم استجوابي!
ليس استجواباً.

تابعت بجدية: كنت جادة يا إيثان عندما قلت بأنه علينا مناقشة أمور كثيرة.
تقصدين موضوع زواجنا؟
هذا صحيح.
آه!
تبادلنا النظرات قليلاً حتى ابتسم بهدوء: حسنا إذاً.
اقتربت ليجلس على الأريكة ذاتها ورفع قدمه اليسرى على الطاولة مفكراً: ماذا عن البدء بموضوع السكن أولاً؟
حسناً.
إنني أعمل في مدينة بعيدة بعض الشيء، أنت تعملين هنا، بينما منزلي في المدينة المجاورة.
نعم.

لابد من أن نرى المكان المناسب للإستقرار أولاً. المكان الذي سنمضي فيه كل أوقاتنا وسنتشاركه دائماً. الموقع الذي من الضروري ان يكون ملائما لكلانا.
أملت برأسي بفهم فزم شفتيه وقد لمعت عينيه الخضراوان بالجدية: أنتِ محال ان تنتقلي من عملك وأنا محال ان أترك عملي بعد ان استقرت أحوالي.
ما الذي تعتقده بهذا الشأن؟
نفي ببطء وغرق في أفكاره للحظة قبل ان يتنهد: لا أدري. لنقم بتأجيل أمر السكن قليلاً.

استرسل مريحا ظهره: يوجد أمور مهمة أيضا، على سبيل المثال موقع حفل الزفاف، والموعد المحدد، وترتيبات الحفل، وتقسيم المال على التجهيزات الأخرى و.
ظل يعدد الأمور وانا اكتب في الدفتر الصغير بإهتمام.
لا بد وأنه مستنكر ما أقوم به قليلاً. بشأن جديتي المبالغ بها.
اليوم فقط قام بالتقدم إلى وربما لم يكن ليعتقد بأنني سأخذ الأمر على محمل الجد إلى هذه الدرجة وبهذه السرعة.
بالنسبة لي. انتظرت هذه اللحظة كثيراً.

انتظرتها طويلاً. كنت في لهفة للعودة إليه.
وعندما عادت علاقتنا أخيراً لن يكون اهمالها امراً وارداً أبداً!
علي أن أستغل كل لحظة.
وكل ثانية.
مع إيثان.
وعلي ان أكون جادة وأبذل جهدي لتجهيز الليلة التي سأكون في انتظارها منذ الآن، اللحظة التي سأكون عروسه أمام الجميع. أمام كل صغير وكبير!

مرت فترة نتحاور فيها بشأن مواضيع عدة، حتى ضربت الدفتر بالقلم بخفة مؤيدة: أنت محق. نظرا لكثرة عدد المدعوين في هذه المدينة فمن الأفضل أن يكون الزفاف هنا. عائلة كريس وزملائي في العمل، ولكن ماذا عن عائلتك و.

قاطعني وقد ترك المنشفة الصغيرة على كتفيه: كما أخبرتك علينا ان ننظر إلى العدد الأكبر. هذا هو المهم. بالتفكير بالأمر فعائلتنا صغيرة جداً، ولا أظن المدعوين من مدينتي سيكونون قد وصلوا لنصف المدعوين هنا حتى.
فهمت.
علي أي حال مكان الزفاف لن يشكل أي ضرر فالمدينة تبعد عن الاخرى بساعة فقط أو أقل، كما يمكننا اختيار موقع قريب لمدينتي وهذا لن يشكل أي فارق حينها.
أومأت بإستحسان: معك حق.
شارلوت:.

ترجلت من السيارة بغضب وتركت بابها مفتوحاً عن عمد، نادى بإسمي بحزم ولكنني أكملت طريقي وقد تجاهلته. منذ أن أوقف السيارة في الموقف في الحديقة الخلفية وهو لا يسأم محاولاً استغلال مشاعري! يظنني سأبقى عبيدة لعواطفي نحوه دائماً.
عندما أوقف السيارة بدأ يتصرف بلطف محاولاً النيل مني! قمتُ بِعَضِ يده بقوة ليتركني وشأني!

كريس يحاول جاهداً أن يستولي على جوارحي بل ويستمتع برؤيتي ضعيفة وأقف بلا حيلة. لا يجب ان يتكرر هذا مرة أخرى. لا يجب أن أسمح له بالإقتراب مني طالما هو مصر على ان لا يتنازل لأجلي ويعترف ولو بكلمة تختصر كل شيء! إن كنت أستشعر منه ما يكنه لي فلماذا من الصعب ان ينطق بها وينهي الموضوع وحسب؟
نادى بإسمي مجدداً فلم ألتفت نحوه، كنتُ قد اقتربت من الدرج الحجري عندما شعرت بخطواته قد اختفت!

استنكرت الأمر والتفتُ نصف التفافةِ سريعة بفضول وحينها توقفت قدمي عن الحركة وتسمرت في مكاني…
ما الذي. تفعله هنا!
إنها هي. مجدداً!
تحتضن ذراعه ولا أدري من أين خرجت! وكأنها خرجت من العدم وتقتنص أي فرصة تجاهه.
استدرت وتراجعت للخلف خطوة أحدق إليها بترقب، كانت ترمقني بنظرة جافة في حين رفعت رأسها نحو كريس لتبتسم له.

ارتخت ملامحها كثيراً وهي تتأمله فنظر إلى بهدوء وحاول ابعاد يدها ومع ذلك أبت الإبتعاد وتساءلت: كريس. كنتُ في انتظارك.
أردفت مبتسمة: أ. أنظر! ما رأيك بمظهري الجديد؟
قالتها وهي تبعثر شعرها القصير، ظل كريس ينظر إليها حتى قال يومِئ بهدوء: آه. جيد.
زميت شفتي محدقة إليهما بغيض ووجدت نفسي أنزل الدرج بخطى واسعة واقترب منه لأمسك بيده أحثه على ان يتبعني بعصبية: لِندخل إلى المنزل.

ومع ذلك ظلت ممسكة بذراعه واحتضنتها بقوة فزمجر بنفاذ صبر مبعداً إياها عنه: هذا يكفي!
رفعت رأسها نحوه وعقدت حاجبيها متأملة وجهه بنظرات متضايقة بل ودمعت عينيها هامسة: لا زلت تعاملني بجفاء! لا زلت تهرب. أنت تهرب وحسب!

لويت شفتي بتردد ولا أدري لماذا بدأت أشعر فجأة بالضعف في موقف كهذا. نظرت إليها وهي تضيف بصوت مرتجف: إذاً أنا حقاً لا أعني لكَ أي شيء. أنا مجرد أضحوكة! هذا استغلال يا كريس. الوهم الذي كنت أعيش فيه بسببك لا فكرة لديك كم رسم لي آمالاً حطمتها انت بكل سهولة بتصرفاتك القاسية معي! لماذا هذا التناقض في معاملتك لي لست أفهم شيئاً!؟

رفع رأسه بإنزعاج ينظر للسماء بغضب ثم همس يجرني خلفه بقوة: كان على البقاء في منزلي أو حتى السفر إلى مدينة أخرى.
ولكنني أجفلت عندما تحركت بدورها ووقفت أمامنا تعترضنا لتصرخ بإنفعال: لقد طفح الكيل! هذا كثير جداً لم أعد أحتمل. إلى متى على مجاراة أسلوبك هذا!
ولكنه تجاهلها وأحكم قبضته على يدي حتى تفاجأت بها قد صرختْ بعصبية: كريستوبال!
حينها خفف من قبضته على يدي هامساً بحزم: اللعنة.

تركني وأضاف بغضب دون أن يستدير نحونا: لا تتبعيني ولا تتحدثي معي لا يوجد ما أقوله.
وجه كلماته لها وأكمل طريقه ليصعد الدرج بخطى واسعة، وقفت في مكاني بعدم استيعاب أنظر إلى يدي والأثار التي تركها حول رسغي!
ما هذا فجأة. يحثني على ان اتبعه ثم يتركني فجأة. ما خطبه!
ثم هذه المزعجة لماذا عليها ان تصرف بعدائية وعصبية هكذا؟ لماذا لا تلزم حدودها وحسب!

هذا ما كنت أفكر فيه عندما شهقت رغما عني بدهشة وقد وقفت خلفي تجبرني على ان استدير نحوها وهي تشد بطرف قميصي مزمجرة بغضب: أرجو أنكِ سعيدة الآن.
زفرت بضيق وقد بدأت أنزعج كثيراً من هذا الوضع ولكنني سرعان ما تصلبت بارتياب لهمسها الحاقد: بسببك أنتِ. كريس يتجاهلني ويتهرب مني طوال الوقت. بسببك أنت يتحاشى النظر إلى ويتجنبني!
أضافت بنبرة أعلى: أكرهكِ كثيراً.

عقدت حاجباي وقد بدأ صبري ينفذ أكثر! لا تبدو وكأنها تتحدث عن زوجي بطريقتها هذه بل وبكل وقاحة تحملني الذنب! شدت على ياقة قميصي وقالت بحزم: ألم أكن واضحة كفاية؟ لماذا لا زلتِ تلتصقين به!
ابعدت يدها بغيض: توقفي عن هذا يا أوليفيا هل أبدو لكِ عاجزة عن الدفاع عن نفسي؟ أنا فقط لا زلت أحاول احترامك وتقديرك ومع ذلك لا أظنني قادرة على كبت رغبتي في تلقينك درسا لتجاوزك حدودك!

احتدت عينيها الزرقاوين وقد عاودت تمسك بياقتي بقوة: اللعنة عليكِ كم أنتِ جريئة.
كنت أحاول ابعادها وانتزاع نفسي عندما امتدت يد كان لها الفضل في صنع ثغرة بيننا وقد ابعدتها عني!
لم يكن سوى رين الذي قال بهدوء ممسكاً بكلتا يديها: ظننت بأنك تريدين التنزه قليلاً ما الذي تفعلينه تحديداً.
ولكنها تجاهلته وحاولت ابعاد يده لتقترب مني مجدداً فتراجعت للوراء قليلاً، لم تستطع ابعاده وقد قال بحدة: هذا يكفي.

نفيت ليتبعثر شعرها الأشقر القصير وبدأت تبكي بضعف: لماذا يحدث لي كل هذا بحق الإله. لماذا أنا الوحيدة التي تحاول استعادة حقوقها وتفشل دائماً. لم أعد أحتمل. هذا أصعب مما تخيل! كيف يعدني ويوهمني طوال هذه السنوات الا يشعر ولو بقليل من الذنب والمسؤولية تجاهي؟

رتبت مظهري وقميصي وقد بدأت أشعر بالتوتر أتجنب النظر إليها لألمحها تعانق رين بقوة وتبكي: رين لماذا لا يعود كل شيء كما كان؟ لماذا لا تتصالحا ويوفي بوعده لي؟ لماذا لا تتفاهم أمي معه ويعود كل شيء كما كان؟
هو لم يجبها. بدلاً من ذلك كان يحثها على ان تتبعه وكم تفاجأتُ بالنظرة التي رمقها بها!

نظرة. أشبه بالسخرية أو الإزدراء! وقفت في مكاني بعدم استيعاب أحدق إليهما وهما يبتعدان. عقدت حاجباي ونظرت للأرض أطأطئ رأسي باستنكار شديد.
ما خطب رين الآخر؟! لماذا تلك النظرة تجاهها؟ ألا يفترض ان تكون عينيه لطيفة نحوها؟ أو لنقل تجاوباً ومسايرتاً لها.
هذا حقاً. مثير للإستغراب!

عندما اختفى الإثنان عن ناظري وجدت نفسي أجلس على الدرج الحجري بلا حيلة. ها نحن ذا! عدنا للتو فقط وكم كان الإستقبال رائعاً وحافلاً بالمفاجئات. أوليفيا لن تتوقف عن التصرف نحوي بهذه الطريقة، إنها تكرهني كثيراً ومن الصعب مجاراة أفعالها وأقوالها العدائية. وكأنها فتاة أخرى تماماً لا تعرف تلك اللطيفة التي قابلتها في البداية.
أي انقلاب هذا!
لماذا تتحدث دائماً كما لو كان كريس قد تعمد إيقاعها في حبه؟ لماذا!

بل وتتحدث بكل يقين وثقة!
ماذا لو كان كريس. فعل ذلك حقاً؟ لماذا يتجاهلها الآن؟ لماذا لا يطيق النظر إليها؟
يا الهي. التفكير بالفرق الشاسع بين ما كانت عليه حياتي قبل لقاء كريس والتوغل معه في علاقتي مقارنة بالحياة التي اعيشها الآن.
وكأنني انسلخت تماماً عن حياتي التي كنت أعيشها باستقرار وأمان! وكأنني دخلت إلى حياة مختلفة تماماً عما أعيشه وعن كل المفاهيم التي تعلمتها منذ صغري!

لنتفق ان القدر قام بحياكة مصيري مع كريس، التقينا ونحن اطفالاً بالرغم من أنني لا أذكر شيئاً عن هذا ولكنني التقيته مجدداً بعد مرور سنوات عديدة من مؤامرة طفولية قام بالتخطيط لها! في البداية ظل يردد انه متلهف للإنتقام من والدايّ عن طريق الزواج بي. وبالرغم من أنه أدرك الحقيقة لاحقاً لا يزال متمسكاً بهذا الزواج، إن كان كريس. يحبني حقاً.

فلماذا يكره الإعتراف إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا يرغب ولو قليلاً في التنازل أمامي لينطق بكلمة من أربعة أحرف فقط! كيف يكون مصراً على ان يعيش حياة تتمحور حول اعترافي له! كيف يكون الوضع متأزماً إلى هذه الدرجة؟
كما أوليفيا هذه لن تتوقف عن زرع الشكوك في قلبي في كل حين.
أتساءل عما سيكون عليه الوضع في المخيم غداً إن كانت ستكون برفقتنا. سيكون كارثيا وأكاد أراهن على ذلك!

تنهدت بعمق شديد ورفعت رأسي أنظر للسماء بشرود.
التفكير بأنني التقيت بكريس في طفولتي يجعلني أرغب في التعمق في خلايا دماغي لأبحث عن الكيفية التي ظهر فيها آنذاك.
أخفضت رأسي أنظر من حولي بلا حيلة ثم وقفتُ بإستسلام وقد قررت التوقف عن التفكير والدخول للمنزل قبل ان تلتهمني الأفكار، يمكنني سماع صوت أبي وأمي.
وقفت أمام باب غرفة الجلوس المجاورة لغرفة الطعام ووضعت يدي على المقبض لأديره وأدخل بعد ان طرقت الباب.

رسمتُ على وجهي ابتسامة صغيرة وأنا أدخل لأرى الجميع!
الجميع. حتى كريس الذي ظننته سينعزل في الغرفة كان يجلس بجانب أولين.
ولكن. ليس هذا ما لفت انتباهي! فيوجد ما أثار غيظي بشدة وقد حاولت جاهدة ان اكتمه وبكل قوتي.
أوليفيا كانت بجانبه على الأريكة ذاتها. كانت على يمينه في حين أولين على شماله!
هذه الفتاة. بلا كرامة حقاً! تشاجر معها للتو فقط ولكنها ضربت كل هذا بعرض الحائط!

القيت نظرة متفحصة مستوعبة أن رين لم يكن معهم كعادته.
اشتعلت غضباً عندما رمقتني أوليفيا بنظرة جفاء مستفزة وهي تلتصق بكريس أكثر!
بدت نظرات أمي وأبي نحوها مستنكرة كثيراً، بالطبع فجلوسها إلى جانبه دون ان تفصلها مسافة أمر يدعو.
للقتل والسفك.!
وبالرغم من هذا. فأرى أيضا في عينا أمي وأبي نظرات عميقة أوحت لي أنهما على علم مسبق بتصرفات أوليفيا في الآونة الأخيرة، لربما كان السيد ماكس من أخبرهم بما يحدث مؤخراً.

ما ان جلست بجانب أبي حتى تهالت الأسئلة من كل جهة والجميع يطمئن بشأن ساقي!
كانت أسئلة أمي بمثابة الإستجواب الجاد وهي تسألني عن كل كلمة قالها الطبيب لي.
لحظات من نجاتي من بحر الإستجواب ليبتسم جوزيف الذي قال بإمتنان ولطف: شارلوت أقدر لك ما فعلتيه لبريتني. أنا بالفعل ممتن وادين لك، لا اعلم ما كان قد يحدث لولا مساعدتك! شكرا جزيلا يا ابنتي وأعتذر عما حدث لك.

أ. أوه سيد جوزيف لا داعي لكل هذا! من الطبيعي أن اهرع إليها إنه واجبي!
ثم ابتسمت مردفة: المهم أن بريتني بخير.
علق أبي بفخر وهو يربت على كتفي: هذه هي ابنتي الشجاعة.
علقت أمي بجدية: عندما أقول أنها ستكون أخر مرة أتجاوز فيها تركك لهاتفك. فأنا حرفياً أعني أنها أخر مرة.
انهت جملتها بابتسامة محذرة فأجفلت لأميل برأسي إيجاباً!

غيرتُ الموضوع بمرح: حسناً جميعاً لا بد وأنكم تعلمون بأمر زواج أخي وتيا. اليس هذا رائعاً بحق!
ايدتني كلوديا: لقد حجزت منذ الآن موعدا مع أفضل خبيرات مراكز التجميل لي ولستيفاني.
سألتها ببلاهة: عذرا سيدة كلوديا. ولكن أمي تفقد سيطرتها عندما يتعلق الأمر بالشراء والتسوق والتجميل، الا تدركين هذا؟

أيدني أبي بذعر: عليكِ أن تعلمي يا شارلوت أن والدتك انفقت الكثير من بطاقتي الإئتمانية. كل هذا في ليلة واحدة فقط أنا بالفعل. خائف من إفلاسنا قريباً!
رفعت أمي حاجبها الأيسر بحدة فابتسمت كلوديا: لا بأس يا مارك عليها أن تفرغ طاقتها المكبوتة في بعض الأنشطة اليس كذلك؟
ضحك السيد ماكس بخفوت وقد نفى برأسي بلا حيلة: يا الهي. النساء!
تركت حوارهم انظر من حولي باستغراب، استوعبت للتو أمر غياب ستيف! أين هو!

يا ترى. هل هو بخير؟ هل كل شيء على ما يرام؟
لا أدري ما الذي على قوله له إن رأيته مباشرة.
فلا زلت أشعر بالندم وألوم نفسي على ما حدث.
كان محور أفكاري عندما سمعت نبرة ساخرة: من السهل رؤية سعادتك بخلو العقبات من طريقك، صحيح سيدة ستيفاني؟
اتجهت الأنظار نحوها والتي لم تكن سوى أوليفياً بينما قطبت حاجباي بعدم فهم وقد بدأ الإنزعاج يستحوذني من نبرتها تلك!
ماذا الآن؟ ما الذي ترمي إليه!

ظهر الإستنكار والإستغراب في أعين الجميع للحظات حتى لمحت تغير نظرات كريس إلى الإنزعاج الشديد وهو يرمقها بطرف عينه ويبعد يدها عن ذراعه خلسة.
ابتسمت امي بهدوء: عقبات؟
بادلتها اوليفيا الإبتسامة ثم أومأت متكتفة: الست محقة؟
أضافت متنهدة: نحن نجلس هنا جميعنا وكل ما يدوره حوله الحوار هو أحاديث فارغة مليئة بالمجاملات. أكره أن أعترف بهذا ولكنني لا أرغب في إهدار وقتي في الحديث عن طرائف عائلتكم اللطيفة.

اتسعت عيناي بدهشة وتوتر بينما زم كريس شفتيه بحزم وهمس لها بحدة: ما الذي تهذين به!
تغيرت عينا السيد ماكس للقلق والإنزعاج الشديد مختلسا نظرة لأولين التي أخفضت رأسها بلا حيلة.
تدخل جوزيف بتحذير: أوليفيا.

ولكنها أسرعت تقول بسخرية وتهكم: ماذا، ما الأمر يا أبي؟ هل كنت ستقول لي توقفي عن كونكِ صريحة واضحة يا أوليفيا؟ الم تسأم من سماع كل هذا الحديث والمديح الفارغ الذي يسلك الطريق الخاطئ تماما،؟ الا تظن وجودهما بعد كل ما حلّ بخالتي لهو نفاق وجُرم عظيم!
تدخلت كلوديا بغضب: الزمي حدودك يا فتاة! تجاوزت الكثير من أفعالك ولكن عندما يصل الأمر إلى اهانة ضيوفنا فكوني واثقة بأنني لن أسمح لكِ بالتطاول!

علق ماكس بهدوء ورزانة: حسنا هذا يكفي جميعاً، يكفي. لا داعي للخوض في مسائل قديمة أو في.
الخوض في ماذا؟
قالتها متسائلة بنبرة عابثة وأكملت تبعد خصلات شعرها القصير عن وجهها: الخوض في الحقيقة المخفية ربما؟
ثم نظرت لكريس واقتربت منه أكثر بإستخفاف: كريس. هل أنتَ حقاً عن راضِ عن هذا الوضع؟ كن صريحاً من فضلك. هل أنت مسرور لوجودهما هنا؟
زفر بغيض وهو يبعدها: اللعنة توقفي عن هذا!

ولكنها عاودت تقترب لتتابع بإنزعاج يجوبه سخرية: الجلوس والضحك هكذا. أراهن بأنني فهمت لماذا رفضت أمي المجيء بشدة.
صرخت كلوديا وقد وقفت بغضب: أيتها الثرثارة سليطة اللسان لقد احتملتك كثيراً.
وقف جوش فوراً ليمسكها ومحاولاً تهدئتها فابتسمت أوليفيا باستفزاز واضعتا ساقا على الأخرى بملل مما اغضب كلوديا أكثر وهي تحاول ابعاد جوش عنها.

قالت أولين التي نظرت إليها بهدوء وتحذير: أوليفيا. أعتقد بأنه من الخطأ والتهور ان تتوغلي في أمور قديمة لا علاقة لك بها، دعي كل شيء كما هو وتوقفي من فضلك عن إفساد الأجواء فالجميع يستمتع بوقته كما ترين.
نظرت أوليفيا إليها بلامبالاة في حين رفع كريس عينيه نحوي وقد استقبلت النظرة الغاضبة في عينيه ولمحت يديه اللتان يحكم قبضتهما بقوة فعقدت حاجباي بتشتت!

عاود يزم شفتيه ويخفض رأسه بينما تنهدت أوليفيا: حقا؟ لماذا يا سيدة أولين؟ دعيني أخمن.

استرسلت مبتسمة ترمق كريس بنظرة سريعة: تخافين على مشاعره إلى هذه الدرجة؟ لا تحبين تذكيره بأي شيء متعلق بوالدته؟ تكرهين أن يتذكر سوء علاقته بها؟! الهذه الدرجة انت متعلقة به وتخافين عليه؟ أوه سيدة أولين لقد تأثرت كثيراً بمقدار الحب هذا حقاً، هل على تذكيرك أنه لم يعد صغيرا؟ هل على تذكيرك بأن دورك انتهى في العناية به وقد قدمت تضحيات مؤثرة مبهرة تظهرك كسيدة طيبة القلب تكن مشاعر الأمومة التي لم تشعر بها يوماً؟ وبالمناسبة دعيني اعترف بأنني لطالما شعرت بأنك تحاولين قدر الإمكان طمس اسم خالتي باتريشيا من هذا المنزل و.

انتفضت بدهشة وكذلك الجميع عندما أمسك كريس بذراعها بقوة وزمجر بغضب: أطبقِ فمك! عندما تتحدثين إليها فإياك وتجاوز حدودك! المرأة التي تعتزين بها وتفتقدينها لم تكن سوى امرأة تعيش في أوهام اختلقتها بنفسها وتعشق ان تبدو كالضحية المسكينة ال.

ولكنه قطع كلماته عندما أغمضت عينيها الزرقاوين بقوة متألمة! استوعب الأمر وابعد يده ليقف بنفاذ صبر مشيراً إلى الباب: سأكون ممتناً لو صعدتِ إلى غرفتك وأكملت المسرحية الهزلية هناك في الزاوية مقابل الحائط. لم أعد أحتمل سماع هذا الهراء هذا حقاً يكفي.

ولكنها صرخت بإنفعال: كريس بربك ألم تكن تقدر والدتك وتحرمها كثيراً؟ ألم تكن في حرب مع الجميع لأجلها! هل نسيت ما كانت تعانيه؟ هل نسيت ما كانت تبكي لأجله دائماً! كيف ت.
فمي لا يزال مطبقاً بشأن أمور كثيرة لذا لا ترغميني على التفوه بها! صدقيني يا أوليفيا ستكرهين اللحظة التي خطت قدمك إلى هنا. ستكرهين الثانية التي رأيت فيها وجهي بعد كل هذه السنوات!
تدخلت أمي بتوتر وقلق: كريس. هذا يكفي!

أضافت تنظر إلى ماكس وهي تقف: أعتقد بأنه علينا العودة للمنزل، لا نريد أن نتسبب في المزيد من الجلبة من فضلكم اعذرونا على كل هذا.
أشارت لأبي فوقف يومئ برأسه بهدوء شديد ليستوقفهم ماكس بقلق: لحظة واحدة.
ثم نظر إلى اوليفيا التي لا تزال تتبادل النظرات الغاضبة بينها وبين كريس الذي كاد يقتلها بعينيه مما أثار بي الرهبة!

اقترب ماكس منهما وقال مهدئاً: أوليفيا. لا أعلم لماذا تصرين على ما تقولينه الآن. ولكن يمكنني أن أخمن بأن فيكتوريا قالت الكثير من الأمور التي كان ينبغي لها الا تتحدث بشأنها وتفصح عنها. ثم ستيفاني ومارك. ضيفونا اليوم. لا ينبغي أن تفتحي مواضيع قديمة كما عليك أن تدركي أن ما تفهميه أنتِ خاطئ تماما!
هذا ما كان مخطط إليه منذ سنوات.

قالتها بجفاء مردفة وهي تلقي بنظرة سريعة حاقدة على أمي وأبي: هذا ما سيحدث بالطبع بعد موت خالتي باتريشيا.
رص كريس على شفتيه وهمس محاولا تمالك رباطة جأشه: أحذركِ للمرة الأخيرة، لا تحشري أنفك في أمور لا شأن لكِ بها. أغلقي الموضوع وثقي بأنني على شفى حفرة من التهور الآن.

جادلته بإستنكار تعيد خصلات شعرها خلف أذنها: لما لم تغلق الموضوع منذ زمن؟ لماذا الآن فقط؟ لأن السيدة ستيفاني الفاضلة والسيد مارك المحترم هنا؟ إلى أي مدى انت مضطر لمجاملتهما؟ أنا أعرف كل شيء. أعرف عنك كل شيء يا كريس أكثر من أي شخص في هذا العالم! وأعرف بأنك ما زلت تتألم كثيرا لموت خالتي باتريشيا بتلك الطريقة بسبب تدهور حالتها! وكل هذا بسبب من؟ بسبب عائلة زوجتك اللطيفة. الست محقة بحق خالق السماء!

مجادلتي فكرة سيئة جداً يا أوليفيا.
قالها بهدوء شديد فجأة ومع ذلك نفيت برأسها بإستياء يجوبه عدم رضى وانزعاج: انت تكذب. تستمر بالكذب على نفسك. أنت خائف، أرى في عينيك أمور كثيرة، أرى أنك لم تتقبل وجودهما بعد، أنت تجبر نفسك على مسايرة الوضع فقط. لا تخبرني أنك تفعل هذا لأجلها!

قالتها مشيرة إلى بإشمئزاز بينما نظر أمي وأبي إلى بعضهما بصمت، ابتسمتْ وأردفت: عندما يتعلق الأمر بإخفاء المشاعر فأنت الأمهر، ولكن عليك أن تدرك أنني. أكاد أقسم بأنني أفسر كل من مشاعرك هذه على حدة! انني أرى ما لا يراه أحد سواي، هل تعلم لماذا؟ لديك فكرة عن السبب؟ بالطبع لا. دعني أجيبك إذاً. لأنني لطالما تمنيت النظر إلى عينيك طوال الوقت. لطالما كنت أشتاق إليك يا كريس وأحفظ لغة عينيك واترجمها بنفسي.

ارتخت ملامحي بشدة أحدق إليها بضياع تام! أشعر بقلبي يعتصر بقوة. شعور يمزج بين الضيق والحزن والغضب! كما ينتابني الإرتياب لهذا الوضع الذي يحصل أمام الجميع مباشرة! أستنكر بشدة جرأتها في الإفصاح عن كل ما يجول في خاطرها!

استرسلت بحقد واضح: ولكن ما الذي أجنيه أنا في المقابل؟ المعاناة وحسب. الألم والألم ثم الألم فقط. ماذا بعد؟ أنت الآن لديك عملك ونجاحك وانجازاتك المبهرة، لديك ابنك الصغير اللطيف وزوجتك ولكنني اسير على ذكريات مزيفة اهديتها لي. هذا كل شيء صحيح؟ ألا تشعر بتأنيب الضمير ولو قليلا؟ الا تشعر بالذنب تجاهي أبداً يا كريستوبال؟

رفع يده يمررها في شعره يغمض عينيه بإنزعاج واضح، ثم نظر إلى للحظة قبل أن ينظر إليها، لمحته يزدرد ريقه قبل أن يرص على أسنانه ويشير نحوي وعيناه تحدقان إليها بعصبية: هل يمكنكِ رؤيتها؟
رمقتني بدورها بنظرة خاطفة بينما ازدردت ريقي بترقب واضطراب!

تفاجأت به يقترب مني ليجذبني من ذراعي بقوة لأقف إلى جانبه وقد استرسل بصوت عميق غاضب: هذه التحفة الأثرية التي تظنينها للزينة هي زوجتي! هذه واللعنة هي زوجتي. الفتاة التي اخترتها بنفسي وجعلت منها زوجة لي، دعيني أوضح الأمر أكثر لأن عقلك يرفض فهم ما أقوله. هل تدركين ما يعنيه الزواج؟! هل تدركين انه يدور حول اختيار شريك الحياة؟ لنبسط الأمر. هل تفهمين ما يعنيه أنني أريدها؟ إن كان من الصعب إدراك هذا أيضاً. فربما من السهل ان تستقبلي ما يعنيه أنني سعيت لأن يكون زواجها بي هو الورقة الرابحة لقطع جميع سبل عودتها إلى منزلها وكأنها قد مرّت على حياتي كمرور الكرام! هل يكفي أن أقول بأنني أرغب في إقحامها في عالمي وأمنعها من الخروج منه؟ لماذا لا زلت عاجزة عن استيعاب هذا؟ إلى أي مدى أنتِ بحاجة إلى دواء يعيد إليكِ كبرياؤك؟ ألا تظنين أنكِ تجعلين من نفسك مثيرة للرأفة فقط؟ بربكِ ألا تثيرين شفقة نفسك؟

أنا.
بالكاد أتنفس!
بالكاد. أستنشق الهواء وأزفره!
أن يقول كريس كلمات كهذه. شيء من الصعب استيعابه حقاً! بل أنني رفعت يدي نحو صدري الذي يهبط ويعلو بسرعة جراء أنفاسي التي تكاد تكون متقطعة!
قد أبدو لئيمة ولكنني شاكرة لحماقة أوليفيا وانفعالها! شاكرة لسحب هذه الكلمات منه! بل وأمام الجميع!
سحقا. هل هذا حقيقي أم أنه مجرد وهم؟ هل هو رسم من خيالاتي الواسعة؟!

يا الهي. هذا. محرج! الموقف غير ملائم البتة ولكنني رسمت ابتسامة بلهاء رغما عني محدقة إلى ملامحه الغاضبة وقد تسمرت عيناي عليه دون أي حول أو قوة!
تجاهلت جدالهما الذي تطور إلى شجار بعد ان اُدهشت أوليفيا بما قاله وبصراحة لا يمكنني لومها فأنا أيضاً واقفة في مكاني وكل ما أفعله هو النظر إليه بشرود.
أن يقول. بأنه رغب في إقحامي في عالمه وألا أخرج منه. وبأنني الفتاة التي يريدها.

كيف يكون هذا واقعاً. يا الهي. أنا. أغرق في سعادتي!
ما لاحظته هو أنه في كل مرة ينفجر غاضباً يتحدث بكلمات لاجمة مفاجئة. غضبه قد يكون السبيل الوحيد لأنصت إلى كلمات تسعدني كهذه! هل على استفزازه لأسحب منه الكلمات التي أتوق لسماعها؟ هل أنوع من أساليب إغضابه؟

ارتخت يده تماماً على ذراعي وقد تركني، بات الجميع يحيل بينهما وقد تطور الوضع أكثر إلى مشادات ومشاحنات بينهما، كريس فقد أعصابه وأوليفيا تبكي وتصرخ عليه بانفعال بينما أقف أنا أحدق إليه بشرود وقد ترجمت عيناي سعادة من الصعب أن أحتويها وحدي.
فليتشاجرا. فليتجادلا ويحطما عظام بعضهما هذا ليس من شأني الآن.
شأني هو السعادة التي تنتابني. شأني الآن هو شرودي في ملامحه الغاضبة.
بالتفكير بالأمر.

قال ذلك أمام الجميع. أمام أمي وأبي.
هل يمكنني معانقته في لحظات حرجة كهذه؟
كان هذا ما يجول حوله تفكيري عندما التقطت أذني كلمات أوليفيا: أيها الكاذب المنافق! لماذا أوهمتني إذاً! لماذا أخبرتني قائلا وبكل لطف بأنني ومن بين الجميع على أن أبقى إلى جانبك دائماً؟

ارتفع حاجباي وارتخت ملامحي بعدم فهم لتسترسل ترمقني بنظرات منفعلة: قد يدهشكِ هذا يا عزيزتي ولكنه أخبرني ذلك حقاً! طلب مني أن أبقى إلى جانبه وأن أكون أفضل من الجميع لأنني في الواقع أفضل منهم!
عقد كريس حاجبيه هامساً بإستنكار: ما الذي تقولينه بحق الإله!
نفيت أوليفيا بلا حيلة: لا فائدة. ستستمر بالإنكار فقط. ستنكر الحقيقة حتى النهاية.
انقبض قلبي مرددة بعدم شعور: ابقي إلى جانبي.!

رمقني بنظرة سريعة وزمجر بإنزعاج: مجرد هراء.
اعترضت أوليفيا: كاذب. دعني أكمل إذاً، ألم تقل بأنه لا حق لي في الإبتعاد عنك؟ ألم تقل لي أننا سنقف إلى جانب بعضنا ونصنع عالمنا الخاص يا كريس! هل ستنكر هذا أيضاً؟
اتسعت عينيه العسليتان محدقا إليها وبدى الإستغراب وعدم الفهم على وجهه في حين ارتجفت شفتاي وخاتنني قدماي لأجلس على الأريكة فوراً فاقتربت أمي مني بقلق لتمسد على شعري محتارة!
هذه الكلمات.

هذه الكلمات. قالها لأوليفيا؟ ماذا عني؟ ألم يقل ذلك لي أنا! ألم. يقل هذا عندما كان ثملاً تلك الليلة قبل رحيلي من هنا!
رفعت عيناي نحوه بضياع وتشتت قبل أن أعود بذاكرتي إلى تلك اللحظة التي كنت الأسعد فيها على هذه الأرض!
أنتِ من بين الجميع. عليك أن تبقي بجانبي.!
اتسعت عيناي انصت إليه ليضيف بنبرة خافتة: يجب أن تكوني أفضل منهم. لأنك أفضل منهم!
هاه! ما الذي يهذي به الآن؟!

أعقب بصوت ضعيف: كوني سيئا لا يمنحك الحق في الإبتعاد عني. كان على إجبارك على هذا الزواج لأضمن بقائك معي.
واصلت التحديق إليه بعين متسعة وقد توقفت يداي عن مداعبة شعره!
همست بعدم تصديق: ما الذي تقوله فجأة بحق الإله!

شارلوت أنا وأنتِ متشابهان. أخبرتك أن كلانا وُجد في عالم ليس لنا. ولكنك أخبرتني بأننا سنكون معاً. في النهاية انظري إليك. بدى وكأنك نكثتِ بوعدك. بل أنكِ قد نسيتني تماماً، لم أتوقع منكِ تجاهلي هكذا.
هاه!؟ من نكث بوعد مثل هذا؟ انا؟! ما هذا السخف؟
أكمل متمتما بغير اتزان: ألم نتفق على ان نخلق عالما مناسبا لكلانا؟

كنت أستمع إليه بدهشة وريبة حتى همس: شارلوت. أنا أدرك بأنك لا تستطيعين التخلي عن وجودي في حياتك!
رفع رأسه قليلا ينظر إلى عن قرب لا يفصلنا سوى مسافة قصيرة!
عدت إلى الواقع عندما ارتجف جسدي جراء تحطم رهيب شعرت به! انقباض عضلة قلبي تكاد تكون قاتلة في وقت كهذا!
رفعت يدي نحو صدري أتنفس بصعوبة والعامل الوحيد الذي جعلني أدرك أنني لا أزال أجلس بينهم هو يد أمي الحانية التي لا تزال تربت على رأسي وكتفي.

الكلمات التي كنت مسرورة لسماعها. ليست سوى حوار مكرر؟
مجرد حوار مبتذل معاد؟ هل هذا حقيقي؟
أيكون كريس.
قد أوقعها في حبه عمداً؟ هل خدعها! أتكون حيلة منه!
عقدت حاجباي وأحكمت قبضة يدي بقوة في حين استدار على عقبيه ليغادر غاضباً: لن أجلس وأسمع كلمة أخرى من هذا اللغو والهراء السخيف.

ظلت أوليفيا واقفة بوجهها الذي تورد إثر انفعالها وبكائها وقد أمسك جوزيف بيدها مهدئاً إياها، نظرت أولين إلى بتردد ثم إلى ماكس الذي تنهد بعمق وتعب وجلس على الأريكة.!
هل. غادر الغرفة وحسب أم أنه قد هرب؟
ما مبرر ما سمعته للتو؟ لماذا قد يخبرها بأمور كهذه ولماذا سمعتها منه موجهة إلى أنا!
هل هذا هو الأمر؟ هل. شمعة الأمل تلك كانت مزيفة؟ ولكنه. كان ثملاً!

ما تفسير أن يتفوه المرء بأمور كهذه ثم يتضح أنها مجرد. أسطوانة قد تم إعادة تشغيلها وكان لي نصيب ذلك!
وقفت كالمخدرة وتحركت متجاهلة كل شيء. كل الأصوات والأشخاص والعناصر من حولي.
حتى عندما أمسكت أوليفيا بطرف قميصي تمنعني من الخروج، حتى عندما أمسكها والدها لمنعها، بل وعندما خرجت واصطدمت بأحد الخدم والذي اعتذر لي رغم أنه كان خطأي.
تجاهلت حتى الخطى الغير متزنة التي أصعد بها إلى الدرج.
لا أريد أي شيء.

لا أريد سماع المزيد أو قول أي حرف واحد.
لأنني لم أعد أعلم أو أفهم في أي موقع أنا. لم أعد أدرك الواقع من الخيال من الإفتراء.
اليس هذا كثير جداً لأحتمله وحدي؟ ألم أصبر على الكثير منذ أن وقعت في حبه!
ما الجُرم الذي ارتكبته في حياتي وأُعاقب عليه إلى هذه الدرجة؟ ما الذي فعلته وأستحق عليه كل ما أمر فيه؟ لستُ أفهم شيئاً! هل أنا سيئة الحظ إلى هذه الدرجة أم أنني أنال جزاء اختياري بنفسي!

دمعت عيناي بنفاذ صبر وتنفست بصعوبة مستندة على الجدار وأنا أضرب الأرض بقدمي اليمنى بحركة سريعة مترجمة قدر هائل من الإضطراب والتوتر ما ان وصلت للجناح الأيمن.
كريس يزداد غموضاً وأنا أزداد حيرة بشأنه، هو يفتقر إلى الصراحة والوضوح وأنا أفتقر إلى الكثير تجاه أمور عديدة.
مسحت دموعي وانتابتني غصة قوية ومررت يدي على عنقي بسببها مخففة ومهونة عن نفسي.

فلا يوجد من يخفف عني في لحظة كهذه لأنني لا أرغب في رؤية أي كائن بشري الآن.
اللعنة. لن أنسى كم كنت محرجة وخجلة من كلماته آنذاك، لن أنسى كم كان مظهره لطيفاً وهو يقول لي تلك الكلمات دون وعي منه وهو ثمل. لن أنسى أنني كنت سعيدة جداً!
حتى لو كانت أوليفيا تحاول تزوير الحقائق، حتى لو كانت تكرهني. فكيف عساها تخترع كلمات مطابقة لتلك التي احتوتني عندما لم يكن في وعيه وكنت أنا في كامل وعيي وإدراكي!

هذا الشعور. اسوأ من الغيرة. اسوأ من الخيانة. اسوأ من الإنكسار والخيبة.
يوجد إبداع أنيق في دمج كل هذه المشاعر المهينة في لحظة! أنا لستُ أبالغ. فما التمسته منه تلك الليلة. مختلف تماماً!
عندما ارتمى على حجري وطلب مني مداعبة شعره وهمس بتلك الكلمات لي. رغبت في الثمالة أنا أيضاً لأرشف قليلاً مما كان يمر فيه في تلك اللحظة وجعله يتمتم لي بهذه العبارات المخدرة!

تحركت بخيبة وعيناي تنظران إلى الفراغ وحسب. بدوت في هذا الوقت كالمجهر القادر على اكتشاف كل ما تحتويه ذرات الهواء من حولي لأهرب من كل ما يحيط بي فقط وأتوغل في مساحة فارغة هربا من كل هذه المشاعر السلبية.
فتحت باب الغرفة بيأس وأغلقته خلفي، ولكنني سرعان ما وقفت في مكاني عندما رأيته يجلس على السرير وبدى غارقاً في أفكاره!
ما الذي يفعله هنا! إنه آخر من أرغب في رؤيته.

ازدردت ريقي بصعوبة أكبت كل شيء في نفسي عندما انتبه لي وامتعض قائلاً: ذلك الهراء الذي كانت تتفوه به. لن أكون قادراً على إحتمال المزيد مما تقوله! سأتصرف بتهور ولن يهمني كونها فتاة فليذهب كل شيء إلى الجحيم لا يوجد ما أخسره!
نظرت إليه بهدوء ولم أعلق.
أشاح بوجهه قليلاً ثم عاود ينظر إلى وقد تنهد: لماذا صعدتِ إلى هنا!
طرفت بعيني ببطء قبل أن أهمس دون شعور: هل كنت تتظاهر بكونك ثملاً؟

عقد حاجبيه بعدم فهم فاقتربت أكثر مردفة ببرود: بلا شك. ربما في تلك الليلة لم تجد ما تقوله فاضطررت لإستخدام أسطوانة قد سبق استخدامها. هل تقضي وقتاً ممتعا مسلياً بما تفعله؟ بكل تأكيد. هذا ممتع بالنسبة لك يا كريس. يعجبك ان تستغلني وتلعب وتلهو بمشاعري. تحب ان تعبث بي وتصنع ملامحي البلهاء كلما سمعت كلمة لطيفة. دعني أخمن. هل ما قلته للتو أمام الجميع كان مجرد مشهد تدربت عليه جيداً أيضاً؟ زوجتك التي اخترتها. هاه؟ يا لها من كلمة. هذا حقاً. مثير للإشمئزاز.

ظهرت تقطيبة بين حاجبيه وهو يحدق إلى بتمعن: ما الذي دهاك؟ ما الذي تحاولين قوله!
رفعت كتفاي: أحاول أن أقول بأنك مجرد مخادع بارع. أنت الأمهر عندما يتعلق الأمر بالتمثيل.
قلتها وانا أستدير بجفاء فوقف ليمسك بيدي يديرني نحوه بإنزعاج: لحظة واحدة ما الذي ت.
ولكنني قاطعته بما لم أخطط له!
حدث ذلك فجأة. برغبة داخلية لم أستطع كبحها.

كان وجهه قد التف لليمين وقد اتسعت عينيه العسليتان في حين همست بإرهاق جراء انقباض قلبي أكثر: ابتعد عني.
رفع يده يمررها ببطء على وجنته التي توردت فوراً إثر الصفعة القوية التي أراهن على أنها أقوى صفعة وجهتها لأي شخص في حياتي!
نظر إلى بعدم استيعاب فقلت مستديرة لأبتعد: لقد اكتفيت.

ولكنني أجفلت عندما استوقفني بملامح غاضبة وقد أدارني نحوه يمسك بكلا كتفاي: توقفي عندك يا شارلوت! ليس هذا ما ينقصني الآن أيضاً! أخبريني حالاً ما قصدته قبل قليل؟!

نظرت إليه للحظة قبل أن أنفجر بإنفعال مبعدة يديه: أتحدث عن تظاهرك بالثمالة في الليلة التي تسبق رحيلي من هنا! أتحدث عن ما قلته لي ليتضح أنك كنت في كامل وعيك يا كريس، أيها الوغد! بماذا تفسر قولك كلمات مماثلة تماما لما قالته أوليفيا قبل قليل؟ بماذا تفسر انتقائها لما يطابق تماما ما سمعته منك! صدفة؟ معجزة؟ أمر خارق للطبيعة؟ أو ربما مجرد حيلة مقرفة أردت من خلالها النيل مني! لا بُد. فأنت في تلك الفترة كنت في ذروة شخصيتك الفاسدة! هل أنا مخطئة؟ أخبرني!

ظل يحدق إلى وبالكاد طرف بعينه ولم أرى منه أي ردة فعل سوى. الإستغراب فقط!
استفزني ذلك أكثر فأعقبت بغضب: ابقي إلى جانبي يا شارلوت هاه؟ أنتِ من بين الجميع عليك ان تبقي إلى جانبي لأنك الأفضل اليس كذلك؟ شارلوت اللعينة صدقتك أيها ال.
هل هذا ما قلته عندما كنت ثملاً!
بل عندما كنت تدعي ذلك.!

أنا لم أكن أدعي! لا شيء سيجبرني على التظاهر بالثمالة! لم أفقد عقلي أو أنحدر في المستوى لاضطر إلى اللجوء إلى حيلة سخيفة كهذه!
لا يوجد ما يجبرك؟ أوه أرجوك يا كريس. كفاك! ألا تمل هذا! تظنني قادرة على تصديقك بعد ان اوهمتني!
أضفت بسخط: وماذا تكون أفعالك اللطيفة اليوم في منزلك أيضاً؟ الجزء الثاني من ذلك المسلسل العاطفي؟ اللعنة كم أنت مخادع!

قلتها وابتعدت بإزدراء ولكنني زفرت بنفاذ صبر عندما أوقفني مجدداً فسحبت يدي وتحركت بعصبية مما جعلني أتأوه رغماً عني لضغطي على ساقي المصابة، ومع ذلك تجاهلت الأمر حتى اتسعت عيناي بدهشة عندما دفعني نحو الحائط وقبل ان أصرخ عليه بسخط وضع يده على فاهي يمنعني الكلام وقال بحنق: اخرسي قليلاً لا أريد سماع لغوكِ أنتِ أيضا!
حاولت ابعاد يده عني فزمجر بنبرة ساخطة عالية أذهلتني: توقفي عن مراوغتي!
اللعنة!

سحقاً لماذا شعرت بالخوف!
ولكنني تفاجأت بغضبي يتغلب على خوفي عندما حاولت عض يده لأبعدها عن ثغري فابعد يده وأمسك بذقني يرفع رأسي نحوه متوعداً بحدة: ردة فعلٍ أخرى يا شارلوت وأقسمُ بأنكِ ستدفعين الثمن بقبلةٍ أعنف من الصفعة اللعينة التي وجهتها لي قبل لحظات!
اتسعت عيناي بدهشة ولم أكد أفكر حتى عاود يضع يده على فاهي مجدداً وأعقب بحزم: سأسألكِ سؤالاً وأميلي برأسكِ إيجاباً أو سلباً وحسب. هل تفهمين هذا؟

احتدت عيناي بغضب شديد فعاود يهمس وكلتا عيناه العسليتان تحدقان إلى مباشرة: لقد كنتُ جاداً في تهديدك للتو. لا زلت أعاملكِ بصبر وتعقل حتى هذه اللحظة.
تباً ما الذي. يهددني به تحديداً! أي تهديد هذا! سحقا له أنا حقا غاضبة وأود لو اغرب من هذه الغرفة حالاً!
و أي سؤال هذا الذي سيسألني عنه أصلاً! سؤال حول كذبة أخرى سيختلقها؟

ليتني كنت قادرة على إبعاده عني والتخلص منه! ليتني لم أصعد إلى الغرفة أو أتعب نفسي في الصراخ قبل لحظات!
نظرت إلى وجنته التي توردت واتضحت علامات أناملي عليها ثم قلبت عيناي بنفاذ صبر ولم أبدي أي فعلة واضحة فقال: عندما كنتُ ثملاً.
يقصد عندما تظاهر بذلك.
هذا ما جال في خاطري قبل أن يدهشني متنهداً: اللعنة لم أكن أتظاهر بذلك.
عيناي. هي عدوي اللدود الذي يكشف أسراري طوال الوقت!

انزعجت كثيراً فأكمل بهدوء: هل قلتُ لكِ ابقي إلى جانبي وأخبرتكِ أنكِ الأفضل حقاً؟
لم أمنحه ردة فعل بل اشحت بعيناي بعيداً فهمس: حسناً من الواضح أنني قلت هذا. هل بدوتُ غاضباً بطريقة أو بأخرى.
ما هذا السؤال الآن!
ولكن. بالتفكير بالأمر هو لم يكن غاضباً وإنما. احاطت به هالة غريبة بعيداً عن الغضب!
بدى وكأنه. شخص يكبت في نفسه أمراً وهرب منه فثمل ثم نسى كل شيء! وكأن عقله فارغ بعض الشيء.
اليس كذلك؟

نفيت برأسي بعدائية فسألني: لم أكن غاضباً. هل بدوتُ غريباً؟
أومأت بإنزعاج.
ثم تذكرت كم بدى كمجرد قاصر يحاول ان يلهو ويتصرف دون ادنى عقلانية!
اخفضت ناظري قليلا وبدأت ملامحي ترتخي متذكرة كم كان مظهره لطيفاً وظريفاً بالنسبة لي. عندما هددني بأنه سيفصلني من العمل وكأنني إحدى الموظفات في شركة العائلة. عندما نزع قميصه وظن بأنه سيخيفني بوقوفه بصدر عاري وهو يتحدث بلا وعي.

أعترف. بانه بدى بالفعل يتصرف بلا وعي. ولكن ما قالته أوليفيا للتو.
عاد شعور الإستياء يجتاحني بشدة حتى انتشلني من دوامة كدت أغرق فيها بصوته المتسائل: هل حقاً لم أكن غاضباً؟!
عقدت حاجباي أستنكر الحاحه في هذا السؤال خصيصاً ثم امتعضت ونفيت برأسي.
طرف بعينه يفكر قليلاً ثم تنهد بعمق وبدت ملامحه لشخص قد أدرك للتو حل للغز رياضي!

عاود ينظر إلى فبادلته النظرات بترقب، استغربت كثيراً عندما همس بإسمي بهدوء ثم ابعد يده عن ثغري ببطء وقال: إن كنتِ ترغبين في تصديق أنني مجرد مخادع محتال فهذا راجع لكِ.

فغرت فاهي باستنكار فأضاف: وإن كنتِ تريدين تصديق أنني لم أتفوه بتلك الكلمات لها فهذا أيضاً راجع لكِ، سبق وأخبرتك أنني لست ذلك الزير الذي سيلقي بألفاظ معسولة على أي امرأة! ثم وكأنني سأفعل! الستِ تدركين جيداً أن فمي لا يتفوه بكلمات لطيفة! لماذا بحق الإله سأقول ذلك لها.
همست دون شعور: وعدتَها بالزواج مرتين. لن أستبعد أن تخبرها بأمور مشابهة. لا شيء يدعو للدهشة…

اتسعت عينيه وبدى مستنكراً لمعرفتي لذلك للحظات قبل ان يزم شفتيه وبدأ الإنزعاج الشديد يأخذ مجراه على ملامحه. ومع ذلك تجاوز ما قلته وعاود يرجع إلى دفة الحديث: لا يوجد ما أكذب بشأنه، كنت بالفعل ثملاً وكفاكِ سخفاً لن أتظاهر بذلك لسبب أو لآخر.
ثم ابتعد قليلاً وأضاف بهدوء: كما لن أكذب بما أقوله دون وعي مني.

ارتخت ملامحي وكذلك قبضة يدي فوقف يبادلني النظرات المتمعنة وعيناه العسليتان تبدوان أعمق بكثير من كل مرة! أعمق إلى درجة ان الإبحار فيهما غير ممكن! صعب جداً!
إن كنتُ قد أخبرتكِ أن تبقي إلى جانبي بينما كنتُ ثملاً وتظنينني تظاهرت بذلك.
قال ذلك وعاود يقترب مجدداً وكم انتفضت عندما أحاطني بذراعيه بلطف جعلني أقف بذهول.
ليكمل بنبرته الهادئة تلك ممرراً أنامله في شعري: إذاً تخيلي الآن أنني مجرد ثمل.

ظل يمرر يده بين خصلات شعري بينما أقف مكتوفة الأيدي بلا حيلة!
ما الذي. يفعله تحديداً! الأهم من هذا. لماذا من السهل السيطرة علي؟ لماذا وكأنه من السهل تصديق كلماته مجدداً! الا يفترض أنني غاضبة؟ اليس من المفترض أنني انفعلت وعلى الخروج من الغرفة والابتعاد عنه وحسب؟ ألم أخبره ألا يلمسني؟! لماذاً إذاً؟!

لماذا التمس. صِدقاً في كلماته؟ هل أحبه إلى درجة التغاضي عن فعلته أم أنني وبطريقة ما. أشعر في أعماقي وفي قرارة نفسي أن ما تقوله أوليفيا مجرد إفتراء! ولكن. كيف من الممكن ان تردد الكلمات ذاتها لا زلت لم أفهم!
عقدت حاجباي بيأس شديد. ولا سيما عندما رفعت يداي أبادله العناق بإرهاق.
للأبد. سأبقى أسيرة مشاعري هذه نحوه للأبد بلا شك، هذه اللعنة ستستمر حتى الممات!

بادلته العناق بضعف وأنا أشد بيدي على قميصه لأسمعه يهمس: أنا مجرد ثمل. اليس كذلك؟!
نعم.
همستُ بها أغمض عيناي بوهن شديد محاولة ألا أبكي، ليقول بنبرة منخفضة: إذاً إبقي إلى جانبي.

لم أشعر بنفسي وأنا أشد على قميصه أكثر وقلت بصوت مرتجف: لا يوجد سبب مقنع يدفعني إلى الثقة بك. لا يوجد ما يرغمني على تصديقك ومع ذلك أنا أفعل! من الظلم ان أثق بك مقابل طردي من الساحة التي أطالب فيها بتسويغات تقنعني بها ومن حقي ان اسمعها.
قربني إليه بقوة أكبر مربتاً على رأسي قبل ان يتمتم: يوجد ما أريد التأكد منه فقط. بعدها ستسمعين تسويغاً ملائماً.

أومأت وفتحت عيناي أحدق إلى اللا شيء متسائلة بعدم تصديق عن قدرته على تهدئتي ببساطة بعد ان كنت على وشك ان أهرب بعيداً عن هذا المنزل. بل عن المدينة بأكملها!
بعد ان فقدت أعصابي وكنت على وشك قتله بكلتا يداي في لحظة غضب. يوجد شخص. يكمن في أعماق كريس مختلف تماماً.
شخص قادر على التعامل مع الوضع عندما يجدر عليه ذلك، يجيد انتقاء كلمات مهدئة. لطيفة.

شخص يتجنب المشاكل ويرغب في الهدوء فقط! يرغب في السكينة وخلق الأجواء المطمئنة.!
أجفلت بدهشة وقد هربت الأفكار والمشاعر من تلقاء نفسها عندما ابتعد عني فجأة ورفع ياقة قميصي بحزم: بالنسبة لموضوع الصفعة.
فغرت فاهي ببلاهة وعدم إستيعاب فأكمل بإنزعاج وغيض: تلك الصفعة لا زالت تسبب لي تشنجاً في أعصاب وجهي!
نظرت إلى وجنته المتوردة بشدة ثم إليه بعدم استيعاب!

هل هذا. من كنت أقول بأنه يحاول خلق أجواء مطمئنة؟ هل قلتُ سكينة وهدوء!
هذا المختل ما الذي.
لم أجد الكلِمَة المناسبة وحينها التفت كلانا نحو الباب الذي تم فتحه دون طرق او استئذان مسبق!
كان لا يزال ممسكاً بياقة قميصي عندما التقت أعيننا بالعين الزرقاء المستنكرة والمتمعنة. والتي قال صاحبها بجفاء وإستخفاف: هل كنت تنوي إيساع زوجتك ضرباً يا ابن خالتي؟

رين ذو توقيت جيد. لأنني كنت في حيرة من أمري ولم أفهم كيفية التصرف مع هذا المجنون!
ابتسم كريس بثقة وقال بكل برود: مُخطئ. كنا نتبادل حوار عاطفي قبل ان تفسده بدخولك.
نظر رين إلى ثم إليه ووضع يده في جيبه بإستهزاء شديد: حوار عاطفي بخمسة أصابع على وجنتك إضافةً إلى ياقة مشدودة؟ يبدو هذا لطيفاً ومشوقاً حقاً!
هذه الطريقة التي نعبر فيها عن أنفسنا هل ستعترض على ذلك؟

رمقته بإمتعاض لما قاله في حين أضاف وقد احتدت عيناه وترك ياقتي متسائلاً بحزم: ما الذي تريده؟
ابتسم رين بهدوء ودفع قدمه للوراء يغلق بها الباب، تقدم بكل ثقة نحو الأريكة وجلس عليها بتململ: أتيت لأسألك عما تنوي فعله وإن كنت ترغب في أن تعيش وغداً حتى آخر رمق.
يؤسفني هذا. ربما سأظل وغداً، ماذا الآن؟
اسمع.

أضاف وقد تبدد كل معنى للمزاح من صوته: قِف عندك للحظة وانظر للفوضى من حولك، هل تسير الأمور بشكل طبيعي بالنسبة لك؟ أخبرني أيها اللعين ما الذي تنوي فعله مع شقيقتي!
ابتعدتُ عن الحائِط وقد وجهت جُل إهتمامي نحوه في حين قلّب كريس عينيه وزفر: ماذا بشأنها؟ هل وصلك الحوار الدرامي الذي قامت بتأديته قبل قليل وأتيت لتزعجني؟ ليكن في علمك أن صبري قد نفذ بشأن تصرفات شقيقتك وقد لا تسرك ردة فعلي تجاه ما تقوم به.

أنتً لست مخير. لا تعتقد بأنك ذلك الشخص المظلوم الذي تحرر من القيود وقرر ان يتصرف كما يحلو له، الأوهام التي تآكل عقلها جرائها لم تكن سوى نتيجة لوعودك الكاذبة. لا تخبرني بأنك نسيت ذلك! دعني أذكرك إذاً العهد الذي كانت متمسكة به وقد ظنت أنها ستكون شريكة الحياة المنتظرة.
أطرقت برأسي قليلا قبل أن أختلس نظرة لكريس الذي جمدت ملامحه كثيراً هامساً: آه. أنت تتحدث عن ذلك الهراء.

لقد وعدها بالفعل فما الذي دهاه لذلك! في ذلك المقطع الذي تم تصويره كان من الواضح أنه مجبر على ذلك، لنقل أنه لم يملك خيارا عندما كان أصغر ولكن ماذا عن المرة الثانية في عمر التاسعة عشر؟
ازدردت ريقي بصعوبة في حين قال رين بجفاء: نعم. الهراء الذي قمتَ به أياً تكن الأسباب، أخبرني الآن ما الذي تنوي فعله تحديداً؟ ما الذي يجول في خاطرك؟

تحرك الآخر بملل متجهاً إلى السرير ليجلس عليه وقد نظر إليه بهدوء تام: اسمع. يوجد أمر من الصعب تحقيقه. أتعلم ما هو؟
أطربني بلغوك.

عندما يكون العالم في عشوائية مقابل أن يظل لك هدفاً منظماً، هل تدرك ما أحاول قوله؟ شقيقتك مجرد مختلة لوثت أجزاء كثيرة من حياتي وتركت خلفها بصمة في كل صفحة بطريقة فوضوية، ومع ذلك عملت جاهداً على طمس أي أثر لها وركزت على ان احيلها عن طريقي تماما وكدت أنجح في ذلك لولا أنها أظهرت نفسها مرة أخرى أمامي. وكلانا يعلم جيداً ما أحاول جاهداً ألا أتحدث عنه الآن. أُتراك تريد مزيداً؟

شعرت به يقصدني بين كلماته ملمحاً له أنه لا يريد فتح هذه المواضيع القديمة أمامي فعقدت حاجباي وقد زادت حيرتي!
ومع ذلك استنكرت ضحكة رين الساخرة بشدة وهو ينفي ببطء: أعترف انك نلت إعجابي، منذ متى أصبح حكيماً؟ من صعب ان يكون العالم في عشوائية مقابل أن يظل لك هدفا منظما. بالفعل. خذ الحكمة من أفواه المجانين، فليكن. هذه الفوضى خلّفتها تصرفاك الغير مسؤولة، الجُرم جُرمك وحدك لا تقحم أحداً فيه.

ضاقت عينا كريس كثيراً وظل يحدق إليه حتى همس: أنت منافق.
استرسل واقفاً بإشمئزاز: ترفض الإعتراف بالحق وتحاول إنكار الواقع بسبب خلاف بيني وبينك. ان كنتَ قد انهيت ما أتيت لأجله فاغرب عن وجهي.

وقف رين كذلك وقد زمجر بحزم: من ينكر ماذا؟ اسمع. عندما يتعلق الأمر بي فأنا أكثر وضوحا وصراحة منك، دور الشخص الغامض لا يليق بي كما لن أسرقه منك، لقد وعدتَ شقيقتي ثم تزوجت من تلك العابثة كلارا التي تليق بمن هم على شاكلتك، والآن تزوجت من ابنة الصديقان المقربان لوالديك قبل ان تنتكس علاقتهم، ما الذي كنت تفكر به تحديداً؟ هل هذا يعني أن خلافك مع أمي مؤبد بالنسبة لك؟

ما تحاول قوله أنه لا يفترض بي الزواج من ابنة السيد مارك والسيدة ستيفاني حتى لا تُجرح مشاعر خالتي فيكتوريا الحبيبة؟ هذا مؤثر بالفعل. إخلاص رائع!

صفق كريس متظاهرا بالإعجاب ولكنه أكمل بإزدراء وحدة: لم أعد أرغب في ان تجمعني بخالتي أي علاقة، ولا حتى المرور في الشارع الذي قد تسلكه، توقف عن كونك منافقاً ذو وجهان فأنت تعلم جيداً أنها اتهمتني ولطالما فعلت بشأن موت أمي! لم يقتصر الأمر على ذلك فخالتي هي السبب في.
ولكنه بتر كلماته وأسرع يشيح بوجهه بغضب!

ضاقت عينا رين وقد همس بشتيمة محدقا إلى كريس ثم نظر إلى وابتسم بإنزعاج: عندما يتعلق الأمر بأمي فمن الأفضل أن تخرس، أنت لم ترمم علاقتك بوالدك لتتحدث بكل تبجح عن خالتك، وبالمناسبة إنه تطور جميل. يبدو أنك تحاول ان تتباهى بحب زوجتك لك أمام الجميع مؤخراً، هل هذا جزء مما تريد إنجازه لتتلف أعصاب أوليفيا؟

تدخلت بهدوء: المنطق يقول أن شقيقتك تتجاوز حدودها كثيراً بغض النظر عن أسبابها. عندما تعانق وتقبل زوجي وتحاول التقرب إليه أمر لا يمكن لأي أحد تخطيه.
نظر نحوي بهدوء ثم وضع يديه في جيبه وتقدم إلى بخطوات واثقة: أوه شارلوت. من الجميل أنكِ تتفقين معي في هذه النقطة إذاً!

عقدت حاجباي باستغراب فابتسم والقى نظرة خاطفة على كريس ثم وضع يده على رأسي: جُرحت مشاعري المرهفة كثيراً يا عزيزتي عندما قبّل هذا الغادر الفتاة التي كان أكثر من يدرك أنني أحببتها بصدق. اليس هذا محزناً؟
قالها بسخرية وأردف: تماماً كما شعرتِ عندما أقبلت أوليفيا على تلك الفعلة؟
نظرت إليه بصمت ثم إلى كريس الذي يمرر يده في شعره بهدوء يرمق رين وكأنه يعدد الثواني الباقية لينفجر في وجهه.

حتى وإن قام كريس بفعلة شنيعة كهذه. فأنا لا زلت أصدق أنه فعل هذا لأجل مصلحة رين، لا زلت مؤمنة بأنه أراد ان يوجه نحوه صفعة ليفيق ولكنه اختار الطريقة الخاطئة وحسب!
ابعدت يده بجدية وقلت: رين. لقد فعل ذلك لأجلك أنت، لقد كانت مجرد فتاة عابثة وأراد أن يريك مدى دناءتها فقط! نحن متفقان على أنه تهور بإظهار ذلك لك ولكنه كان يحاول تنبيهك وحمايتك ل.
أجفلت لضحكة كريس الساخرة: من قال سخفاً كهذا؟

غضبت كثيرا وقد انفجرت لأصرخ عليه بحزم: اخرس من فضلك يا كريس! ألا تمل جلب المصائب لنفسك؟ كف عن هذا لم يعد الأمر ممتعاً! ما المشكلة لو أصبحت صريحاً قليلا مع الآخرين؟! لماذا تخجل من كونك صريحا أو واضحا؟ ما المشكلة ان تقول ما يجول في خاطرك بحق الإله يا كريس! إلى متى ستغمر نفسك بالأوهام التي تختلقها بنفسك وتصدقها! جِد شخص آخر تقنعه بهذا السخف لأنني لن أصدق كلمة مما تقولها أيها المراوغ! إن كنتُ شفافة بنظرك فأنت يا كريس مرآة خادعة تعشق إدلاء عكس ما تخفيه فقط! هل ترى هذا الطِباق والإختلاف بيني وبينك؟، يكفي. هذا كثير جداً! إلى متى هذا الكم المهول من الإدعاء والكذب على نفسك وعلى الآخرين! أنت تغضبني ولا فكرة لديك عما أطمع في تفجيره من كلمات الآن!

فغر فاهه بعدم استيعاب وظل يحدق إلى يطرف بعينه ببطء في حين عاودت أوجه إهتمامي لرين مردفة برجاء: لماذا آلت الأمور إلى ما هي عليه بينكما! سمعت كثيراً أن علاقتكما كانت رائعة فلماذا تأخذان هذا المنعطف السيء! أنا أعلم جيداً أن الأمر لا يقتصر على الفتاة التي أحببتها، أدرك أن هناك سبباً أقوى جعلك تكن الضغينة نحوه. ومع ذلك. أحيانا ينتابني شعور بأنك تبذل أقصى جهدك لتبدو شخصا سيئاً عدائياً! ينتابني إحساس ويلح على بقوة بأنك تحن إلى تلك الأيام! لماذا إذاً تقنط من الفرص!

اتسعت عيناه الزرقاء لثانية قبل ان يتنفس بإنفعال وقد صرخ بسخط مما أفزعني: أطبقي فمك وكفاك ثرثرة، ما الذي تعرفينه أنتِ لتتحدثي بهذه الثقة؟ ما الذي شهدتهِ أنتِ ليعلو صوتك بهذه الحِكم الزائفة! توقفي عن لعب دور المحللة الرشيدة لأنك لم.

قاطعته مجادلة: لا أعرف سوى أمراً واحداً! أنت وكريس لم تكونا مجرد شخصين من نفس العائلة وإنما شقيقان وصديقان! هذا الأمر الوحيد الذي أدركه جيداً وأفهم أنه ليس من السهل إخماد علاقة من نوع كهذا!
اللعنة على تلك العلاقة السخيفة واللعنة على زوجك البغيض أيضاً! إنه مجرد ماضي رجس أريد محيه من ذاكرتي وحسب لذا لا تتوغلي في أمور من مخيلتك!

رجس؟ رين، لقد كنتما مقربان، أنا أوجه حديثي إليك لأنني يائسة من أفكار كريس المريضة! طفولتكما قد ارتبطت إرتباطا وثيقاً لذا جِدا حلاً لهذه المشكلة بينكما وتصالحا عوضا عن.
اخرسي يا فتاة! اخرسي قليلاً!
قالها ممسكاً بذراعي بقوة وقد تورد وجهه جراء الغضب الشديد واحتدت عيناه التي لمعت بمزيج من الإنفعال و.
شيء آخر!

شعرت بيد كريس التي تبعده عني بخشونة ثم تمتم بشيء من الإستخفاف: أعصابك يا رجل. هل أنا الوحيد الذي يظن أنك بالغت في ردة فعلك؟
تجاهل رين تعليقه ومرر يده حول جبينه بألم ثم همس: كلاكما مجرد ثرثاران. أصواتكما مزعجة أكثر من إحتكاك أظافر قذرة على الألواح. سحقاً لكما لم أشعر يوماً بالإنفعال هكذا!
قالها بإشمئزاز وقد القى على نظرة غاضبة وتحرك خطوة مبتعداً فأبعدت يد كريس عني وقلت برجاء: لحظة يا رين!

أردفت لأقف أمامه: هل أنت حقا سعيد بهذه الأوضاع؟ هل صراع العائلة أمر هين بالنسبة لك؟ أرجوك كن أكثر تعقلا وفكر بالأمور بروية! حاول أن ت.
قاطعني بإنزعاج: اغربي عن وجهي، إنه خطئي في الدخول إلى هنا.
ولكنني نفيت بإمتعاض: الم تقل بأنك شخص واضح وصريح؟!

سمعت كريس يزفر بنفاذ صبر ولكنني أكملت بجدية: ماذا لو برهنت لك أن كريس قبّل تلك الفتاة لأجلك؟ ماذا لو أقنعتك أنه أراد حمايتك منها بطريقة خرقاء! هل ستعترف بأنك تريد لتلك الأيام أن تعود كما كانت وأفضل؟ هل.
تفاجأت بكريس يضع يده على ثغري يمنعني من الكلام مزمجراً: ألا يتعب لسانك قليلاً!

حاولت إبعاده بإنزعاج فنظر رين إلى ببرود ثم إلى كريس وقال: إن ساءت حالت أوليفيا فستدفع الثمن غالياً. إن تصرفتْ بجنون أكبر فستدفع ضريبة إزدياد الأمر سوءاً.
أنهى وعيده بنبرته المبحوحة قليلاً جراء غضبه وصراخه على بإنفعال قبل قليل، تحرك ليبتعد عنا ولكنني أجفلت لإنقطاع التيار الكهربائي دون سابق إنذار.

ابعد كريس يده عن ثغري فوراً ولكنه ظل ممسكاً بي فهمست أحرك عيناي بين الظلام الدامس: يا له من توقيت سيء! لا أرى شيئاً.
علق كريس بهدوء: سيفي السقف الزجاجي بالغرض عندما تعتاد أعيننا على الظلام.
إنه محق، علينا الإنتظار لتعتاد أعيننا على هذا الظلام الحالك قليلاً، ولكنني سرعان ما اقترحت: ماذا عن الهاتف!

شعرت به يبحث عنه في جيب بنطاله وقد أخرجه بالفعل وأنار المكان الذي نقف فيه، حينها فقط استوعبت أمر رين الذي لم أسمعه صوته وهمست بإسمه بحيرة.
وجه كريس الهاتف نحو المكان الذي كان يقف فيه رين وهنا تسمرت في مكاني وقد انتابتني برودة غريبة جراء استنكاري وقلقي!
ما خطبه!

كان يجثي على الأرض وبالرغم من هذا الظلام إلا أنني رأيت جسده يرتجف بشدة! كان يحني جسده ويتكئ على كلتا يديه اللتان ترتجفان! اقتربت منه بتردد واستغراب شديد هامسة بصوت ضعيف: هل أنت على ما يرام؟
ولكنني بدلا من ذلك سمعته يتمتم بكلمات خافتة جداً وانحنى أكثر وكأنه يرغب في ضم كامل جسده بقوة!
بحق الإله. ما الذي يحدث له تحديداً!؟

امسكت بيد كريس بارتياب، هذا الآخر لم يعلق ولم يقل شيئاً بل ظل يحدق إليه ولا أدري أي نوع من التعابير قد ارتسم على ملامحه!
حينها فقط علا صوت رين قليلا وسمعته يقول بصوت مرتجف: ستعود الإضاءة بعد قليل وسيختفي كل شيء، لا يوجد ما يدعو للقلق.
ارتجف صوته أكثر وقد ضعف وبات أبحاً: سيختفون قريباً وسيكون كل شيء بخير، لا بأس.

اتسعت عيناي ولم أشعر بنفسي وأنا اقترب منه بريبة ورهبة ولمست كتفه رغبة في تهدئته ولكنني تفاجأت به ينتفض مجفلاً فابتعدت من تلقاء نفسي!
ثواني قليلة من صعوبة في التنفس شعرت بها جراء هذا الوضع الغريب حتى عادت الإضاءة.
ارتخت ملامحي بشدة أحدق إليه وقد فغرت فاهي عاقدة حاجباي بعدم استيعاب.

عاودت أطبق فمي وأحكمت قبضتي بتوتر قد سيطر على وألجم لساني، إنه يغمض عينيه بقوة ووجهه قد شحب وتعرق وكأنه شخص أوشك على الغرق ويكاد يلفظ آخر أنفاسه!
أنا. لست أفهم! ما خطبه تحديداً؟
نظرت إليه بضياع وتشتت لأراه يفتح عينيه قليلاً فقط قبل ان يغمضهما ويعتدل ببطء كأنما جسده يحاول التحرر من حبال قد كبلته بإحكام.

مرت لحظات من الصمت المهيب حتى جلس وفتح عينيه الزرقاوين اللتان بدى أن جفنيهما يعاني من القوة التي حكمت عليه بأن يطبق نفسه! همست بإسمه بقلق فبدأ يتنفس بطريقة سريعة حتى انتظمت أنفاسه ووقف مترنحاً، وجهه بدأ يتورد قليلاً وقد نظر للأرض بوهن لأسمع نبرة كريس المذهولة: أنتَ. لا تزال.!

قالت هاتين الكلمتان فقط ولم يعقب بعدها شيء، ظل ينظر إليه بعين عسلية متسعة في حين رفع رين ناظريه نحوه وهمس بصوت متعب حاقد: سألعنك حتى الممات يا كريستوبال.
أكمل طريقه مترنحاً وبدى يحاول ان يتنفس بعمق بصعوبة بالغة!
خرج وصفق الباب وسمعت صوتا خافتا جعلني أتيقن أنه استند على الباب للحظة قبل ان يبتعد.
ما الذي. حدث قبل قليل؟
عندما اكتسح الظلام المكان. تصرف بطريقة مريبة!

ظل يردد عبارات يشجع نفسه فيها! هل يعقل. بأنه يخشى الظلام؟
حتى وإن كان صحيحاً فلماذا. إلى هذه الدرجة؟!
نظرت لكريس بعدم استيعاب غير قادرة على ترتيب أفكاري، وحينها تشتت أكثر لرؤية التعبير الذي على وجهه.
كان ينظر حيث يقف رين بعين غير مصدقة. وثواني فقط حتى تمتم بغير اتزان: أنا. سأذهب للإستحمام و.
لم يقل سوى هذه الكلمات المتلعثمة وقد تحرك نحو القسم الآخر من الغرفة وسمعت صوت إغلاق باب الحمام!

ما خطب هذا الآخر الآن!
يا الهي. هل رين حقاً بخير؟
إن كان يخشى الظلام إلى هذه الدرجة فما السبب؟
صحيح. بالتفكير بالأمر فلقد تصرف ذات مرة بطريقة قد استنكرتها قليلا والآن فهمت لماذا!
قلت بصوت عالي وانا انزل الدرج: آنا! ما الذي تفعلينه في هذا الوقت وفي هذا الطقس!
كانت تقترب نحوي ممسكة تلك الأكياس وعندما وصلت قالت وهي ترتجف بشدة: كنت أحضر هذه الأكياس!

لمحت الدخان الذي خرج من فاهها إثر البرودة فأسرعت أضع المظلة فوق رأسها واصعد معها متسائلة: لماذا! إنه وقت النوم! من الذي طلب منك الخروج في وقت كهذا بحق الإله!
أضفت بإنزعاج: أنظري إليك أنت ترتجفين بشدة!
ابتسمت لي واكملت طريقها: آسفة آنسة شارلوت على أن أدخل هذه الأشياء لغرفة السيد رين بسرعة.
ر. رين!

مرت من أمامي وأسرعت تنزع المعطف والحذاء خشية تبليل المكان وصعدت للأعلى بخطوات سريعة بينما فغرت فاهي بعدم تصديق أنظر للدرج بحيرة!
طلب منها. أن تخرج تحت هذا المطر وفي هذا الوقت! لتحمل هاتين الحقيبتين للمشتريات فقط؟ لا بد وأنه. يمزح!
انتفضت لنفخة دافئة على عنقي وقريبة جدا! شهقت برعب ونظرت لمصدرها أضع يدي على عنقي بإرتياب، لأفاجئ بالمدعو رين الذي ابتسم بسخرية: تنتظرينني هنا وتحملين مظلة لأجلي؟

أضاف وهو يدخل: شكرا جزيلا لك!
من قال هذا!
أكملت بعدم تصديق: هل طلبت من آنا ان تخرج في هذا الوقت؟
ارتفع حاجبيه ورمقني بملل، مرر يده بسرعة على الإضاءة لينيرها، بالرغم من ان الردهة لم تكن مظلمة إلا أنه فتح الإنارة الأخرى فاستنكرت فعلته كثيراً! ومع ذلك ضاقت عيناي لأسأله بحزم: هل تمازحني؟ لقد كانت ترتجف منذ لحظات! لقد أيقظتها في وقت نومها بعد عناء تكبدته طوال اليوم في التنظيف من الصباح و.

لست متفرغ لسماع هراء كهذا.
هراء!
إنها مجرد خادمة على أي حال. هي لن تفعل كل هذا مجاناً!
عدت إلى الواقع أجلس على السرير باستغراب شديد، وبالتفكير أكثر. في مرات معدودة وعندما مررت أمام غرفته لم أرى أضواؤها مغلقة إطلاقاً. حتى عندما كنت أظنه في الغرفة بسبب الإضاءة كان قد اتضح انه لم يكن فيها.
إنه يجلس في الإضاءة ويتجنب الظلام. لماذا يخشاه وأصيب بالفزع هكذا؟!

يا لها من. نقطة ضعف سيئة! كريس أيضا بدى غريبا قبل لحظة فقط. هاذان الإثنان. ما الذي يخفيانه!