رواية زهرة في مستنقع الرزيلة الفصل الثاني 2 بقلم جيهان عيد

رواية زهرة في مستنقع الرزيلة الفصل الثاني 2 بقلم جيهان عيد 

رواية زهرة في مستنقع الرذيلة للكاتبة جيهان عيد الفصل الثاني
عانت نرمين وزهرة معاناة شديدة من أثر الحادث، فأضطر عمهما إلى الذهاب بهما لطبيب نفسي لعلاجهما، حتى تحسنت حالتهما بالتدريج، لكن ظل مشهد الحادث محفورا في رأسيهما لا ينسى.
سافر سليم بزوجته وأولاده إلى مقر عمله بالكويت، وبعد أقل من عام مات هناك فجأة دون أن يشكو من مرض، رفضت فريدة العودة إلى مصر بأولادها، ظلت بعملها حتى مرت عشر سنوات كاملة، حصل خلالها حسام على الثانوية العامة وأرسلته فريدة إلى فرنسا لإكمال دراسته الجامعية في مجال الهندسة.
أحب حسام زهرة رغم تعمد فريدة إبعاده عنها، أحبها قبل أن يدرك معنى الحب وعمره لا يتجاوز العاشرة وهي طفلة بضفائر في السادسة من عمرها، كان يصر على الجلوس بجوارها في أتوبيس المدرسة، لا يسمح لأى تلميذ أن يقترب منها، وكلما كبر كلما زاد إدراكه وزاد تعلقه بها، ورغم صغر سنه تخيلها فتاة أحلامه ورسم مستقبله معها، بالطبع لاحظت فريدة هذا الحب فقررت وأده في مهده خصوصا بعد حادثة قتل والد زهرة لأمها، وبعد وفاة سليم زوجها قررت قطع علاقتها بكل أسرته، بعد أن مات من كان يربطها بهم من وجهة نظرها، رفضت العودة إلى مصر، كان حسام يعد نفسه للعودة بعد حصوله على الثانوية العامة لاستكمال دراسته، لكن والدته اقترحت عليه الدراسة في فرنسا وعددت مزايا الدراسة في دولة أوربية فأطاعها حسام وهو مضطر، ومن هناك استطاع مراسلة عمته هدى بل والاتصال بها تليفونيا، وفي إحدى المرات ردت عليه زهرة، لم يصدق نفسه وهو يسمع صوتها بعد سنوات من الافتراق، ود لو صرخ لها بكلمة أحبك لكنه لم يستطع، بعد أن ألجمته المفاجأة، لم يقل سوى كلمات قليلة بصوت مرتعش أضعفه الاشتياق، وأجهده الحنين، ورغم تكرر الاتصال إلا أن الحظ لم يسعده بصدفة أخرى تجمع صوته بصوت حبيبته، أصبح أكبر حلم له سماع صوتها حتى لو كان هذا عبر أسلاك هوائية تختصر ألاف الأميال. رغم البعد ورغم عدم التواصل ظل حسام على حبه لزهرة، يرسم صورتها على وجه كل فتاة يلقاها، لا يرى غيرها، يحلم بيوم العودة، يوم التقائه بها.
2010
جلست زهرة ونرمين بحجرتهما، زهرة فوق سريرها تستمع إلى أغنية جديدة لعمرو دياب، في حين جلست نرمين أمام المرآة تمشط شعرها، أصبحت نرمين في العشرين من عمرها، جميلة متناسقة التقاطيع، خمرية اللون، أما زهرة فهى بيضاء شديدة الجمال، ذات شعر بنى فاتح، حلوة التقاطيع، تشبه كثيرا ماجدة أمها)
نرمين: ألف مبروك يا زهرة، ناوية تدخلى كلية أيه؟
زهرة: أداب قسم علم نفس.
نرمين: ليه يا زهرة مجموعك كبير؟ ممكن تدخلى ألسن.
زهرة: أنا بأحب العلوم الاجتماعية والعلوم اللى بتهتم بدراسة سلوك الفرد والمجتمع.
نرمين: ربنا يوفقك يا حبيبتى.
زهرة: مش ناوية تكملى بعد المعهد؟ تقديرك حلو.
نرمين: كدة كويس قوى، كفاية على عمو كدة.
زهرة: ربنا يقدرنا ونقدر نرد جمايل عمو، بصراحة عمل معانا اللى ما بيعملوش الأب، عمره ما استخسر فينا حاجة.
نرمين: ربنا يبارك له، ويبارك لطنط عايدة هي كمان ست عظيمة، أنا في حياتى ما شوفتش كدة، لسة في ستات أولاد أصول كدة؟
زهرة: أنا لما بأقول لزمايلى إن مرات عمي لحد دلوقتي بتودع عمى ببوسة وتستقبله ببوسة ما بيصدقوش، وإنها بتستناه زى الأطفال ولما بيرجع بتقلعه الجزمة، وما بترضاش لحد دلوقتي تاكل من غيره، وإن عمى عمره ما بص لست تانية وإن عمره ما أكل حاجة برة البيت بيتهمونى بالكدب.
نرمين: يا بختهم، نفسي ألاقى حد يحبنى وأحبه كدة.
زهرة: يا بنتى دول من الأساطير، زى عنتر وعبلة، قيس وليلى، وقريب هنقول وعبد الرحمن وعايدة.
نرمين: الله أكبر، خمسة وخميسة من عينينا، ربنا يحفظهم.
زهرة: على العموم أنتى محظوظة بعمر، هو أكيد زى طنط عايدة، مش أخوها؟
نرمين: أنتى لازم تدرسى علم نفس عشان تعرفى إن ما حدش بيشبه حد في الصفات، بس ده ما يمنعش إن عمر حبوب ومخلص وطيب وحنين قوى وبيحبنى، وأنا بأحبه قوى.
زهرة: طب خلي بالك طنط عايدة وعمو عبد الرحمن ما بيحبوش الكلام الفاضي ده، عندهم العلاقات لازم تكون في إطار رسمى.
نرمين: عندك حق، وخصوصا طنط عايدة، أنا مش عارفة عمر هيقول لها إزاى.
زهرة: أحسن حاجة ما يقولهاش حاجة عن العلاقة اللي بينكوا، ويقول إنه أختارك لما شافك هنا كذا مرة.
نرمين: مش عارفة طنط عايدة ليه متزمتة كدة؟
زهرة: بصراحة هي عندها حق، المفروض أى علاقة تكون في النور، هي دايما توصينى بكدة،.
ودايما تحذرنى
نرمين مقاطعة: بس الحب بيجي غصب عننا، وأنا وعمر عمرنا ما عملنا حاجة غلط وكل مقابلاتنا
فى النور.
زهرة: ولو، طنط عايدة ما بترحمش، هتقول لك مجرد خروجك معاه وكلامكوا لوحدكوا غلط.
نرمين: ربنا يستر ويجى يخطبنى قبل ما تعرف.
طرق عبد الرحمن حجرة زهرة ونرمين طرقات خفيفة.
قامت زهرة بسرعة بفتح الباب، هي تعرف هذه الطرقات، وتعلم أن مادام عمها قد حضر لهما الحجرة فهو يريدهما في أمر ما بعيدا عن أعين زوجته عايدة، دخل عبد الرحمن مبتسما كعادته.
عبد الرحمن: عاملين إيه يا أجمل بنتين في الدنيا؟
زهرة: الحمد لله يا عمو.
نرمين: بخير طول ما حسك في الدنيا يا عمو.
عبد الرحمن: خدي يا زهرة الفلوس دي عشان تيجيبى كل اللى أنتى عايزاه للجامعة، لبسك شنطك، جيبى كل اللى نفسك فيه.
زهرة: ده كتير قوى يا عمو.
عبد الرحمن: من فيش حاجة تكتر عليكى يا حبيبتي.
قبلته زهرة وهي تقول: ربنا يخليك لينا يا عمو. أقترب عبد الرحمن من نرمين وأعطاها هي الأخرى مبلغا ماليا وهو يقول: خدى أنتى كمان يا نرمين هات أى حاجة تعجبك.
نرمين: بس أنا عندي لبس كتير، ده غير إني خلصت المعهد.
عبد الرحمن: يعنى خلصتى خروج؟ أما أديكى حاجة ما تقوليش لأ.
نرمين: حاضر يا عمو.
عبد الرحمن: زي ما أتفقنا لو عوزتوا أى حاجة قولوا ما تنكسفوش.
زهرة ونرمين معا: ربنا يخليك لينا يا عمو.
جلس عمر مع والده، عمر شاب في بداية الثلاثينات فارع الطول، أسمر سمرة خفيفة، وسيم إلى حد كبير.
والد عمر: بتقول إيه يا عمر؟ لو نرمين دى آخر بنت في الدنيا مش هاوافق على جوازك منها.
عمر: ليه بس يا بابا؟
والد عمر: أنت ناسى أمها عملت إيه؟
عمر: عملت إيه؟ ما فيش دليل واحد على خيانتها غير كلام الناس وشك جوزها، ولما قتلها ما ظبطهاش متلبسة مع واحد، كانت خناقة عادية زى خناقات كل يوم، اتهور وقتلها وقتل نفسه، ونرمين ما لهاش ذنب في ده كله.
والد عمر: ذنبها إنها بنت ماجدة.
عمر: ما حدش بيشبه حد حتى صوابع الإيد الواحدة.
والد عمر: برضو أنا مش موافق وأقفل على الموضوع ده نهائي.
هرب عم زهرة من الحى الذي وقعت فيه جريمة شقيقه حتى لا يعرف أحد، خاف على بنتى شقيقه من ماضى والديهما، لكن القدر أوقع إحداهما في حب شقيق زوجته، فشلت كل جهوده أمام تصاريف القدر الذي جعلها من دون كل الرجال تقع في حب رجل يعلم كل شئ عن ماضيها وماضى أسرتها.
قامت زهرة بفتح أحد الأكياس المكومة على سريرها، أخرجت ما به من ملابس وقامت بقياسها، نظرت لنفسها بالمرآة، ثم ارتدت حذائها المرتفع قليلا عن ألأرض ووضعت على رأسها حجابا مناسبا للطاقم الذي ارتدته وأمسكت شنطة يدها وعاودت النظر في المرآة وهي تسير ذهابا وإيابا بالحجرة، ثم خلعته وارتدت غيره، كررت نفس الحركات، حتى قامت بقياس كل ما أشترته، دخلت نرمين وفور رؤيتها قالت: قمر يا زهرة، الطقم حلو قوى عليكى.
زهرة: ذوقك يا حبيبتي، الطقم ده بالذات أنتى اللى اخترتيه.
نرمين: خلاص كدة جيبتى كل لبس الجامعة؟
زهرة: آه الحمد لله، فاضل شوية غيارات داخلية هابقى أروح أجيبهم مع طنط عايدة.
نرمين: لسة بتتكسفي يا زهرة؟
زهرة: سيبك منى وقولى لى عاملة إيه مع عمر؟
نرمين: عمر حنين قوى، وجنتل وكريم وبيحبنى قوى بس أنا خايفة قوى.
زهرة: ربنا يسعدك يا حبيبتى، خايفة من إيه؟ عمك هيفرح قوى.
نرمين: أنا مش خايفة من عمك، أنا خايفة من عايدة مرات عمك، لتأثر على عمر أخوها وتقوله علينا حاجة.
زهرة بحزم: أنتى أحسن بنت في الدنيا.
نرمين باكية: مش كفاية، مش كفاية إنى أكون أجمل بنت ولا أحسن بنت في الأخلاق، في حاجات تانية كتير، الماضى وموضوع ماما وبابا، فاهمة؟
زهرة: بس عمر إنسان متفتح و مش هيصدق إلا اللى شافه منك، ده غير إنه بيحبك، وكمان طنط عايدة بتحبنا قوى.
نرمين: برضو قلقانة ومش هأطمن إلا لو جه خطبنى.
زهرة: لازم يجى يا نرمين قبل ما طنط عايدة تعرف وتبقى مشكلة.
نرمين: هو وعدنى على أول السنة الجديدة تكون شقته خلصت.
زهرة: هانت يا حبيبتي.
نادى هليوبوليس بمصر الجديدة.
حضر دكتور خالد عز الدين إلى النادى مبكرا، وهو يرتدى تريننج ابيض وحذاء رياضى، قام بأداء بعض التمارين الخفيفة، ثم قام بالجرى في تراك النادى أكثر من مرة، دكتور خالد رجل في بداية الاربعينات رغم أن شكله لا يعطى أكثر من ثلاثين عاما، وسيم جدا، فارع الطول.
سيدة 1: مش ده دكتور خالد؟
سيدة 2: أيوه ما هو عضو من زمان هنا في النادى، أنتى اللى مستجدة.
سيدة 1: ده حلو قوى، أحلى بكتير من شكله في العيادة.
سيدة 3: إيه ده؟ زاغ في عينك وإلا إيه؟ لو عجبك روحى له العيادة.
سيدة 1: لا يا حبيبتى مش خالد عز الدين اللى أفكر أرتبط بيه، أنا سيبت جوزى عشان الخيانة.
سيدة 2: بالراحة على نفسك، ده مش بتاع جواز.
سيدة 1: وأنا يوم ما أفكر في علاقة هتكون جواز مش عط.
سيدة 3: أنتى تطولى؟ ده خالد عز الدين فارس أحلام كل بنات وستات مصر الجديدة.
سيدة 1: على إيه يعني؟ رشدى أباظة؟!
سيدة 2، 3 معا: أحلى.
انتهى دكتور خالد من أداء تمارينه اليومية وخرج من النادى، وعيون النساء الثلاث تتابعه، حتى السيدة التي كانت تسأل عنه، ربما نوع من الفضول، نظرت لترى من هو خالد عز الدين الذي يحكون عنه والذي شغل كل أعضاء النادى حتى من الرجال.
ركب دكتور خالد سيارته وانطلق في شوارع القاهرة، وقد ادار كاسيت السيارة على أغنية عبد الحليم الهوا هوايا، ظل يتراقص على نغمة الاغنية ويرددها مع عبد الحليم.
خرج دكتور خالد من المصعد واتجه نحو شقته ليفاجئ بعايدة زوجة عم نرمين وزهرة أمامه، فتح الباب ودخل معها مسرعا، وما أن أغلق الباب حتى انهالت عليه عايدة بالقبلات.