رحلة الـ100 عام.. وثائق نادرة تروي قصة دوري أبطال أوروبا

تملك جماهير كرة القدم عبر العالم ذكريات خاصة مع دوري أبطال أوروبا أكثر من أي منافسة كروية أخرى، فمنذ أول مُباراة بين سبورتينغ لشبونة البرتغالي وبارتيزان بلغراد الصربي، قبل 70 عامًا ونصف بالتمام، فرضت هذه البطولة نفسها، لتصبح المنافسة الأفضل والأكثر سحرا بالنسبة لكل عشاق اللعبة وأنديتها.

إرهاصات بداية البطولة تستدعي العودة إلى ما قبل مئة عام تقريبًا؛ إذ تعود أحداث القصة الأشهر لانطلاق فكرة هذه البطولة في ديسمبر/ كانون الأول 1954، إلى موقعة رد اللاعب والصحفي الفرنسي غابرييل هانو على مقالٍ نشرته صحيفة “ديلي مايل” البريطانية تحت عنوان: “وولفرهامبتون، بطل العالم الآن”، وذلك عبر مقال آخر نشرته صحيفة “ليكيب” الفرنسية تحت عنوان: “لا، وولفرهامبتون ليس بطلًا للعالم بعد”.

وكان وولفرهامبتون قد فاز في عدة مُباريات دولية، ما دفع الإعلامي ديفيد مورغان لوصفه ببطل العالم، الأمر الذي لم يعجب “هانو” ليكتب في مقاله: “قبل أن نعلن أن وولفرهامبتون لا يقهر، دعهم يذهبون إلى موسكو وبودابست، وأيضًا هناك أندية مشهورة دوليًّا مثل ميلان وريال مدريد، يجب إطلاق فكرة بطولة العالم للأندية أو على الأقل بطولة أوروبية أكثر أهمية من كأس ميتروبا (كأس أوروبا الوسطى)، دعونا نجازف بمثل هذه المخاطرة”.

من صاحب مقترح تنظيم دوري أبطال أوروبا ؟

كشفت تقارير عن وثائق نادرة لأول مُقترح لإقامة بطولة أوروبية للأندية، والتي تطورت لتصبح دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ، والتي تؤكد أن رد غابرييل هانو لم يكُن من فراغ، ذلك أنه كان صاحب المقترح الأول في أوروبا قبل حوالي 91 عامًا؛ إذ دعا لتنظيم مُسابقة دولية بين أندية القارة العجوز، في مقال نشره يوم 20 نوفمبر / تشرين الثاني 1934 عبر صحيفة “Le Miroir des sports” الفرنسية تحت عنوان “التبادلات الدولية”.

وأكد “هانو” في مُقدمة مقاله، أنه لأجل مُقارنة مستوى ناديين من بلدين مُختلفين، فإنه يجب تنظيم مُباريات بين الأندية ويكون الميدان هو الفاصل، موضحًا: “من أجل مقارنة قيمة كُرة القدم بين بلدين مُختلفين، تؤكد الأعراف أنه يجب تنظيم مواجهة بينهما”، وأضاف: “مواجهات المنتخبات ظرفية، ومع ذلك فإن نتائج المُباريات الدولية هي التي تُعبر عن قيمة وجودة اللعب في هذه البلدان”. 

وأوضح صاحب الفكرة الأولى في مقاله قبل 91 عامًا، أن إقامة مباريات بين أندية دولٍ مُختلفة من شأنه أيضًا أن يُعزز الروابط بين الشعوب، ويوسع دائرة التعارف بين مختلف الرياضيين، ليُعطي مثالا بإمكانية إقامة مواجهات بين أولمبيك مارسيليا الفرنسي ونادي جنوى الإيطالي، وأيضًا بين نادي “سيت” الفرنسي وبرشلونة الإسباني والعديد من الأمثلة الأخرى.

وبحلول الرابع من شهر ديسمبر/ كانون الأول لسنة 1934، فتحت صحيفة “مرآة الرياضات” الفرنسية المجال لأعلى الشخصيات الإعلامية والرياضية، لتقديم أفضل صيغة مُمكنة لمنافسة أوروبية بين الأندية، حيث خاطبهم غابرييل هانو قائلًا: “ما رأيك بمشروعنا للتبادل الرياضي الثنائي؟ هل هو قابل للتطبيق؟ أليست محاولة سابقة لأوانها في الوقت الحالي من أجل نقل بطولة كرة القدم تدريجيًّا من المستوى الوطني إلى المستوى الدولي والأوروبي، وحتى بمساعدة أمريكا الجنوبية على المستوى العالمي؟”.

وفي عدد الحادي عشر من شهر ديسمبر لذات السنة، جاء الجواب الأكثر جاذبية من طرف جون بيرنارد ليفي رئيس نادي راسينغ باريس، حيث اقترح تنظيم بطولة أوروبية تشبه دوري أبطال أوروبا حاليًّا، بمباريات داخل الأرض وخارجها واستغلال توفر الطائرة باعتبارها وسيلة نقل حديثة وسريعة.

رئيس نادي راسينغ باريس يقترح إنشاء بطولة تشبه دوري أبطال أوروبا

وكتب ليفي في مقترحه: “أليست الطائرة اليوم جزءًا من حياتنا، تستغرق الرحلة إلى لندن ساعتين وإلى أمستردام ساعتين ونصف، وإلى فيينا 6 ساعات وإلى بودابست 8 ساعات وإلى بوخارست 12 ساعة”، قبل أن يتكلم عن آلية البطولة وقال: “سيتم اختيار 16 ناديًا من 16 دولة قبل حلول 30 أبريل/ نيسان، وفي الأسبوع الأول من مايو/ أيار يكون دور ثمن النهائي، وبعده بأسبوع الدور ربع النهائي وهكذا إلى النهائي، وسيكون تحديد المباريات والملاعب عبر القرعة”.

وبعد عقدين من الزمن، وتحديدًا في ديسمبر 1954، كان غابرييل هانو محتفظًا بفكرة بيرنارد ليفي الذي توفي في الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يجد فرصة واضحة لإطلاق المقترح، قبل أن تُعلن “ديلي ميل” وولفرهامبتون بطلًا للعالم وتدفع الصحفي الفرنسي لإعادة المقترح عبر صحيفة “ليكيب“، التي كانت تملك صدى واسعًا جدًّا في فرنسا وأوروبا.

وبعد إعادة طرح الفكرة، تم اقتراح التفاصيل الدقيقة لبطولة دوري أبطال أوروبا الجديدة من طرف جاك دي ريسويك رئيس قسم كرة القدم في “ليكيب“، والذي أكد أن المباريات تلعب في منتصف الأسبوع مع رعاية من التلفزيون الدولي، وتلعب بـ 12 إلى 14 فريقًا، وكل بلد يكون ممثلًا بفريق واحد.

وبحلول يناير / كانون الثاني 1955، بدأت عملية الترويج لإقناع الاتحادات المحلية بإرسال الأندية البطلة لإقامة منافسة أوروبية تشبه دوري أبطال أوروبا الحالي، الأمر الذي لقي معارضة إنجليزية كبيرة، وفي المقابل دعمًا منقطع النظير من أطراف قوية جدًّا في عالم كُرة القدم الأوروبية، مثل سانتياغو بيرنابيو رئيس نادي ريال مدريد وقتها.