«صراع القوى» في اليمن.. تحليل عميق يكشف مراكز القرار والنفوذ

تعيش اليمن واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخها الحديث، حيث تتداخل صراعات الداخل مع النفوذ الخارجي بشكل يجعل من الصعب تحديد من يملك القرار فعليًا في البلاد. ومع استمرار الحرب المستعرة منذ سنوات، يتفاقم السؤال حول مستقبل هذا البلد المضطرب، وسط مشهد مشتت تسيطر فيه قوى متعددة بين الحكومة الشرعية، الحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم مباشر وغير مباشر من عدة أطراف إقليمية ودولية.

الخارطة السياسية: من يملك السلطة في اليمن؟

الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا هي الممثل الرسمي للسيادة اليمنية، إلا أنها، في الواقع العملي، تفتقر إلى السيطرة الفعلية على معظم الأراضي اليمنية التي تتوزع بين قوى متعددة. ففي الشمال، تهيمن جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا على العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها، حيث تدير سلطتها بشكل شبيه بالدول المستقلة من خلال مؤسسات قضائية وعسكرية وإعلامية، وفي الجنوب، يبرز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة رئيسية بدعم إماراتي، يشكل من خلاله توازنًا مؤثرًا ضد القوى التقليدية في الشمال. الغريب أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية مباشرة تعاني من حالة تقسيم الولاءات بين الأطراف المختلفة، مما يعكس افتقارها إلى انسجام داخلي وقدرات تنظيمية فعالة للتحكم بالمشهد.

النفوذ الخارجي: من يصنع القرار اليمني؟

لا يمكن فهم المعادلة اليمنية دون النظر للصورة الأوسع التي تضم لاعبين إقليميين ودوليين. السعودية تمثل المحرك الرئيسي في الملف اليمني منذ انطلاق “عاصفة الحزم”، وتركز جهودها على تحقيق النفوذ الاستراتيجي عبر ضمان أمنها القومي. الإمارات، من ناحيتها، تتبع سياسة مغايرة في الجنوب، حيث تكرس نفوذها من خلال دعم المجلس الانتقالي وقوات النخبة. على الجانب الآخر، إيران تضفي تعقيدًا إضافيًا على المشهد عبر دعم الحوثيين بوسائل استراتيجية متقنة. كما أن واشنطن ولندن تلعبان أدوارًا غير مباشرة عبر التأثير على مسار التفاوض ومحاولة إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية بما يتماشى مع مصالحهما.

النخب اليمنية والدور الغائب

مع تفكك النسيج السياسي والحزبي في اليمن، تبدو النخب المحلية عاجزة إلى حد كبير عن صنع قرار مستقل. الشخصيات السياسية والإعلامية المؤثرة غالبًا ما تجد نفسها تحت التأثير المباشر للمال الإقليمي أو تعمل باستراتيجية المد والجزر التي لا تحقق أهداف الشعب اليمني، بل تخدم أجندات خارجية. هذا الضعف المؤسساتي، وانعدام أي مشروع وطني جامع، أدى إلى غياب الاستقلالية الحقيقية في صنع القرار المحلي، مما يجعل السيادة الوطنية مجرد حلم بعيد المنال يصعب تحقيقه تحت الظروف الراهنة.

أخيرًا، يبدو أن القرار اليمني أصبح رهينة للتوازنات الإقليمية والدولية، في حين أن الحلول المطروحة حتى الآن تقتصر على تسويات مؤقتة تؤجل الصراع ولا تحله. السؤال الأهم يبقى: هل يمكن لليمن أن يختار مصيره بيديه مرة أخرى؟ الإجابة على هذا التساؤل تحتاج إلى إرادة سياسية صلبة وبيئة دولية تدعم حق اليمنيين في استعادة سيادتهم الكاملة على أراضيهم وقرارهم السياسي.