رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السادس والخمسون
كنت كاذب حين قولت تأسرك برائتي، وكنت أخدعك حين أخبرتك أنك منقذي فكانت الخسارة جزاء ما فعلنا لنهتف بندم: ياليتنا ما كنا.
لم يكن القرار بالرحيل سهلا، لثاني مرة بعد وفاة والدته يشعر وهو يغادر الإسكندرية بأن روحه تغادره ربما لأنه يعلم أن العودة هذه المرة أيضا ستكون صعبة.
قرر المكوث عند بشير في القاهرة قبل أن يغادر تماما إلى شرم الشيخ، وتيقن من أن قراره لم يكن هو القرار الصائب حين سأله صديقه باستنكار: يعني إيه مش فاهمك؟ هتروح تقعد في شرم الشيخ طب والشغل.
فرد بهدوء محاولا ألا تتوتر الأجواء: هتابع معاك يا بشير، كده كده أنا مكنتش في القاهرة علطول.
هو أنت بتهزر ولا بتتكلم جد؟ مكنتش في القاهرة بس كنت بتنزل نشوف الشغل، دلوقتي جاي تقولي إنك مش هينفع تنزل.
ألقى بشير على مسامعه هذا واستكمل بغير تصديق: أنا مش مصدق، هو أنت في وعيك طيب، مدرك إنك رامي أهلك ومراتك وشغلك وعايز تسرح
هتف بانزعاج: بشير
فرد عليه صديقه بضجر: متقوليش بشير، متقولش حاجة، أقولك حاجة بالمرة نفك الشراكة، ونفضها سيرة بقى ونرجع نجري ورا الولا حاجة واحنا مش عارفين عايزين إيه.
أخذ عيسى متعلقاته الموضوعة على الطاولة ووقف ليغادر وهو يقول: أنا نازل يا بشير، يارب لما أرجع تكون خلصت الحصة دي علشان أعرف أنام في الليلة اللي هبات فيها هنا.
ترك له المنزل ولم يستجب لحديثه، نزل وهو لا يعرف حتى الوجهة التي سيذهب إليها، فقط يتجول أسفل المنزل، شرد في ما قبل أن يأتي إلى هنا، جمع أغراضه في الليل أثناء نومهم لم يرغب في أن يتحدث مع أحد حتى لا يتأثر قراره، عدا هي، دائما ما تفوز بالاستثناء عنده، مر من أسفل منزلها أثناء رحيله، تُعاد أمامه كل ذكرياته وكأنها اليوم، فتح هاتفه يطالع الصورة التي التقطها لها أثناء نومها حين أنقذها من الغرق، تغلب على حنينه وخوفه من فراق في بداية خطواته، ولم يكن يعلم أنها انفردت بنفسها في الأعلى، لجأت لغرفتها بعد أن خذلها كل شيء، لن تتحمل سماع كلمة لوم واحدة ولو أتت بالخطأ من والدتها، وكأنها حين حملت لقب مطلقة ارتكبت جرم عظيم، أزالت دموعها مسرعة حين سمعت صوت الباب يُفتح، دخلت شقيقتها مريم حاملة بيدها طبق وكوب زجاجي وهي تقول: أنا عملتلك سندوتشات وعصير، ممكن تاكلي علشان خاطري.
لم ترفض هذه المرة، هزت رأسها بابتسامة وتناولت كوب العصير، ارتشفت منه القليل ووضعته مرة ثانية، جلست مريم جوارها وترددت ملك قبل أن تسأل: ماما قالت حاجة تانية عن اللي حصل؟
بررت مريم سريعا لشقيقتها عل هذا يخف من حدة الأجواء قليلا: متزعليش من ماما يا ملك، هي زعلانة عليكي.
كان نفسها حياتك تستقر، وبعدين ما أنتِ عارفة إن الناس هنا الطلاق بالنسبالهم جريمة، اتطلقتي ده حاجة في نفس مستوى إنك بتقوليلهم أنا قررت أشتغل رقاصة.
استطاعت بجملتها الأخيرة سحب ضحكة من شقيقتها، التي قالت بعد تنهيدتها الحزينة: عندك حق
حاولت مريم معها وهي تربت على كتفها: طب ما تحكي يا ملك، مش يمكن ترتاحي.
بتتمسكني علشان احكيلك، والاقيكي حاكية لكل الناس.
كان هذا رد ملك عليها تشاكسها محاولة الابتعاد عن موضوع أن تقص عليها هذا ولكن مريم ردت: إيه الثقة العمياء دي، ما طبيعي عندنا هنا سر الانسان بتاعه وبتاعنا كلنا، دي قوانين يا ماما.
ضحكت ملك وحثتها شقيقتها بلين: احكيلي إيه اللي حصل.
ظلت ملك صامتة لثوان قبل أن تقول بألم داخلي كاد أن يفتك بها: عارفة المشكلة فين يا مريم؟ المشكلة إن أنا مش عارفة حتى أحكي إيه، وكإن الندم رفاهية عيسى منعها عني، كإنه بيعاقبني علشان اختارت ابعد مرة واحده بس في وقت كنت غضبانة فيه، ولما رجعت في كلامي قالي لا واداني ضهره.
نزلت دموعها وهي تكمل بقهر: مرة واحدة بس يا مريم، مرة واحدة بس عملتها وخدت قرار، ورجعت نسيته لما حسيت إنه هيمشي وروحت لحد عنده بس مفرقش معاه.
ضحكت بمرارة وهي تقص على شقيقتها معاناتها الطويلة: ده أنا ياما استحملت منه حاجات، ده في مرة قالي قدام البيت كله. عند هذه النقطة تحديدا شعرت بالضياع، لم ترد ذكر أمر اضطرابه أمام شقيقتها وأن سبب قوله هذا هو محاولتها معه للجلوس مع الطبيب ولكنها كررت قوله الذي تحملته من قبل بانهيار: قالي امشي من هنا، أنا مش عايزك في حياتي أنا زهقت، أنا فاكرة اليوم ده كويس مبنساش، فاكرة لما سهام قالتلي بشماتة أكيد عصبتيه، و فاكرة لما عمو نصران قالي روحي عند والدتك يا ملك، كنت همشي لحد ما هو جه وقفني وقالي متمشيش، طلبها مني ودوست على نفسي وكرامتي وقعدت.
لما قالي علشاني.
انتاب مريم الحزن على حالة شقيقتها والذهول مما تسمعه خاصة وأن ملك تسترسل و دموعها لا تتوقف: مكنتش استاهل يفتكر ليا الموقف ده وأنا بقوله يقعد، طب بلاش الموقف ده، المية موقف اللي كان لازم امشي فيهم وفضلت علشانه، مفيش واحد فيهم بس يشفعلي عنده، أنا عمري ما اديته ضهري، وقت لما يحتاجني حتى لو كنت مجروحة منه كنت ببقى موجودة، والمرة الوحيدة اللي بعدت فيها علشان خوفت و افتكرت البعد راحة مستحملهاش على نفسه، حتى لما روحت وقولتله خليك علشاني مهتمش.
زاد انهيارها وهي تختم: أنا موجوعة أوي يا مريم، عيسى كسرني.
احتضنتها مريم التي أشفقت على حالها لدرجة جعلتها تشعر بالبغض ناحيته لتسببه في قهرة شقيقتها هذه، لا تعلم كم مر الوقت وهي تواسيها حتى خلدت ملك أخيرا للنوم بينما في الأسفل كان مازال مكانه، وكأن المكوث هنا سيصلح كل شيء، كان وداعا حارا تمنى أن يراها فيه، وحين قرر الرحيل هو يرفع عينيه يطالع شرفتها، لمح شيء ما ظنها هي، ولكن خاب ظنه حين وجد مريم بعد دقائق تفتح البوابة وتقف أمامه، كانت غاضبة، وسؤالها حاد وهي تلقيه على مسامعه: واقف هنا ليه يا عيسى؟
ملكيش دعوة.
كان رده عليها كافيًا لمضاعفة غضبها فهتفت بانفعال: أنت بجد إيه ده؟ عايز منها إيه تاني، بعد ما صدقنا إنها بدأت تبقى كويسة، بترجعها لنقطة الصفر تاني ليه؟ جتلك لحد عندك وقالتلك متمشيش، كرامتك وجعتك أوي علشان طلبت الطلاق وجيت تقولها نرجع وقالت لا، مرة يا أخي من نفسها، ما ياما وقفت في وش ماما علشانك، وياما قالت لا علشانك
قاطعها وهو يقول بسخرية: دي حكيالك كل حاجة بقى.
هزت رأسها تؤكد: اه حكيالي، ومتصدمتش، زيك زي حسن اللي ضربته قبل كده علشاني متفرقش عنه حاجة.
لمعت عيناها بالعبرات وهي تكمل: بس عارف يا عيسى، أنت عندك حق، أنت تستاهل تكون لوحدك، أكبر عقاب ليك إنك تكون لوحدك بعيد عن كل حد حبك وأنت متستاهلش ربع حبه ده، سواء ملك أو عمو نصران اللي جه لحد هنا قلبه مكسور من ابنه اللي عايز يمشي، وطلب من ملك تقولك تقعد وهو فاكر إن كل الحب ده هيخليك ترجع، بس أنت حتى خسارة فيك الحب ده.
جملتها الأخيرة كانت الأكثر وجعًا، طالعها بهدوء وداخله مشتعل، داخله يعصف به الغضب والحزن، داخله يبكي.
امشي من هنا، أنا مش عايزة ملك تشوفك، كفاية أوي اللي هي فيه، أنت مش قولت هتسافر، بالسلامة يلا.
انتظرت رحيله ولم يعطها ما أرادته بل قال: أغبى انسان هو اللي بيصدر أحكام في حاجات معاشهاش، كل إنسان يقدر يقول على غيره كتير أوي، أناني وغبي ومؤذي لكن مفيش إنسان واحد بيجرب يشوف لو اتحط في التجربة هيعمل إيه، مفيش انسان واحد بيدي نفسه فرصة يفكر بعقل اللي بيرمي عليه اللوم علشان حتى لومه يبقى منطقي، ربنا يشفي يا مريم.
قال آخر عبارة بسخرية وغادر ولم يترك لها فرصة الرد على ما قاله.
فاق من شروده واسترجع حقيقة أنه غادر الإسكندرية وسيقضي الليلة هنا في القاهرة ويغادر غدا، ظل يتجول لا يعلم إلى أين حتى وصل أمام عيادة نور، شعر بأنه في حاجة ملحة لجلسة هنا قبل أن يغادر إلى حيث قرر، ولكن الوقت متأخر للغاية، نوى أن يهاتف نور أولا ولكن قطع ذلك اتصال هاتفي أتاه، رقم مجهول ولكنه على يقين من كونها هي، فتح المكالمة وحل الصمت، يسمع تنهيداتها، قال هو أولا: أنا عارف إنك ملك، صدقيني يا ملك كده.
وقبل أن يكمل سمعها تقول بقهر: متقولش حاجة، أنت متستاهلش إني أسمع منك حاجة
نزلت دموعها وتابعت بألم: أنت عملت…
بترت عبارتها ولم تكملها وقد تضاعف وجعها ووجعه وهتفت بانهيار: أنت حتى متستاهلش إني ألومك يا عيسى.
أغلقت الهاتف ومزقت فؤاده مع إغلاقها، وقبل أن يزيد وقع كلماتها من حزنه، قرر الصعود إلى نور بدون حتى اتصال، إن وجد المكان مغلق سيرحل ولم يكن يعلم بما يحاك في الأعلى.
عيسى لسه بيجيلك؟
كان يجلس على المقعد المقابل للمكتب بأريحية شديدة وهو يسأل هذا السؤال بينما من انتظر منه الرد في قمة ضجره يطالعه بنظرات متوترة ساخطة، رد نور الجالس مقابل ثروت بضيق جلي: لا مبيجيش.
اعتدل ثروت في جلسته وهو يسأل بابتسامة ماكرة: مبيجيش ولا بتكدب.
أخرج نور انفعاله أخيرا إلى النور وهو يسأل باستهجان: هو حضرتك عايز مني تاني إيه؟ مش كفاية اللي أنا عملته؟ أنا خونت مهنتي والمريض بتاعي ونقلتلك أسراره.
وطي صوتك ده واهدى.
لم تكن جملة لتهدئته بل كانت جملة تحذيرية من ثروت دعمها بنظرات متوعدة ثم أضاف: محدش ضربك على إيدك
رد عليه نور بانزعاج: أنا عمري ما كنت هعمل كده لولا الفيديو اللي معاك، بتخيرني بين مستقبلي اللي عايز تمسحه بجرة قلم وبين حاجة أنت عايزها، أنا أسف بس كل اللي عندي بخصوص عيسى خلص وأنا قولته لحضرتك قبل كده
سأله ببرود: قولتلي إيه؟
فعلق نور على جوابه وقد طفح كيله: قولت لحضرتك إنه متشخص IED، عنده مشاكل أسرية، ومشاكل سببها المرحوم جوز بنت حضرتك، وإني مش هخالف مهنتي أكتر من كده وأديله أي أدوية من اللي حضرتك اقترحتها علشان عارف أثرها عليه كويس، أنا عيسى المريض بتاعي وهدفي علاجه، على الأقل أبقى قدمت حاجة صح بعد اللي عملته معاه.
مجنون يعني.
قال هذا ثروت ببساطة جعلت نور ينفر من حديثه ويرد: وهي بيري بنت حضرتك بقت مجنونة علشان بتجيلي هنا؟ اللي حضرتك بتقوله ده غلط.
استنكر ثروت القول على ابنته وصحح له من وجهة نظره: بيري اتعرضت لصدمة أثرت عليها نفسيا فبتساعدها تسترد ثقتها بنفسها، أنت هتقارنها بالمختل ده، أنت بنفسك قايلي إن أقل نوبة من اللي بتجيله تخليه يفقد أي ذرة عقل، وفي الاخر تقولي مش مجنون، يبقى كده بقى أنت اللي مجنون.
كانت العيادة فارغة لا يوجد بها سواهما حتى المساعد انصرف ولم يتوقعا أبدا دخوله عليهما، لم يخطر ببالهما حدوث هذا السيناريو، دلف بابتسامة وطالع نور أولا وقال: ازيك يا دكتور نور، يارب تكون صحتك كويسة
ثم استدار لثروت وهلل مرحبًا: معالي الوزير أهلا أهلا، آخر حد كنت أتوقع أشوفه هنا، لا وجاي لوحدك ومن غير حرس
ثم التقط الموضوع على الطاولة وأضاف بسخرية: ولابس كاب على أساس كده محدش هيعرفك يعني.
حاول نور التفاهم معه حين قال: عيسى ممكن تقعد وتسمعني.
هز عيسى رأسه نافيًا وهو يردف: لا انسى، أنا عندي سؤال بس
طالعه ثروت ببرود و نور بقلق وسأل هو: قولت لمعالي الوزير المختل المجنون لما بتجيله النوبة بيبقى بيعمل إيه؟
طالعا بعضهما فقال عيسى بضحك: يبقى مقولتش، حلو، ثروت باشا
نادى عليه ثم ختم: المختل المجنون عيسى نصران هيوريك حالا مشهد تمثيلي لل IED لاي.
أنهى حديثه ثم جذب المقعد وقذفه باتجاه ثروت مما جعل الأخير يطالعه بذهول وقد اختفى الاستهتار من وجهه وتيقن من أن الواقف أمامه ينوي كارثة الآن، نوى أن يثبت أنه ملك الأفعال المفاجأة مرة جديدة تضاف لمراته التي لا تُحصى.
استقام ثروت واقفًا وسأله عيسى متصنعًا الاستنكار وهو يرى تحوله من السكون لأخذ الحيطة: الله، قايم ليه بس يا ثروت باشا، مش عايز تتفرج ولا إيه، ولا أنت بقى خوفت؟
حاول نور التقدم ناحيته ومن جديد يطالبه برجاء قبل أي كارثة: عيسى اسمعني ب…
فدفعه عيسى وهو يخبره بغضب: أنا مسمعش صوتك، ومستقبلك اللي أنت كنت خايف عليه ده أنا بقى اللي همسحهولك خالص، لما أفضحك وأقول إنك بتطلع أسرار المرضى بتوعك.
أخرج ثروت في حركة مفاجأة سلاحه، صوبه ناحية عيسى، وقف أمامه بثبات كان قد فقد جزء كبير منه قبل ثوان، ولم تفلح محاولة نور في ردعه، لم يظهر في نظرات عيسى سوى الاستهتار، ورد على فعلة ثروت هذه بقوله: لو فكرت إني باقي على عمري، يبقى مقرأتنيش كويس، ولا إيه يا دكتور نور ما تقوله.
لم يبعد ثروت سلاحه بل رد على قول عيسى هذا مردفًا: مش مهم تبقى باقي أو لا، هقولك أنا اللي دكتور نور مش هيقوله، فتحة الصدر بتاعتك دي مبتوديش غير ورا الشمس، أنا لو خلصت عليك دلوقتي مش هاخد فيك يوم، جاي تتهجم عليا عند الدكتور بتاعي واضطريت استخدم معاك العنف.
أنزل ثروت سلاحه وهو يضيف ضاربا على صدر الواقف أمامه: كفاية أوي اللي أنت عملته لحد دلوقتي، ولو مبتخافش على نفسك، خاف على اللي ليك.
انتظر ثروت رد محدثه، وتخوف نور حيث أن نظرات عيسى العدائية تنذر بالشر، ولم يكن الرد سوى أن بصق عيسى في وجه ثروت، طالعهما باحتقار ثم توجه ناحية الباب ليغادر وقبل أن يكمل خطواته نحو الخارج استدار لثروت يقول بابتسامة: نسيت صحيح أقولك، البقاء لله.
أوحت عيناه بأنه يعلم كل شيء، لم يعلق ثروت بقى على صمته يتابع خطواته نحو الخارج حتى اختفى أثره.
كل العقد التي ربطته ببلدته انحلت، شعر وكأن كل شيء سراب، حياته بأكملها لم تكن سوى وهم كبير، وهم تخللته حقيقة واحدة، هذه الفترة التي قضاها وحيدًا، مفارقًا لكل من أحب، يبدو وكأن الوحدة عشقته وبشدة، عشق جعلها تفعل به الأفاعيل، حتى أنها كلما رأت استكانته في حضرة من وجد الدفء فيهم، سحبته من بينهم ووبخته بشدة على عصيانه فيعود مرغمًا، تائبًا إليها بعدما ذاق الويلات.
رحل إلى شرم الشيخ دون أن ينهي حتى ما نوى أن ينهيه، كانت صدمة نور عليه كبيرة للغاية، كبيرة لدرجة لم تجعله يتحدث مع بشير في أي شيء آخر فقط رحل بحقيبة على ظهره لا يرافقه سواها.
ذهب إلى المكان الذي كان يستأجر فيه فوجده محجوز بالكامل، تعرف عليه حارس العقار ورحب به بحفاوة سأله بعدها عيسى: متعرفش مكان يكون فيه أوض حتى إيجار
رد عليه سيد مستفسرا: هو أنت مطول؟ ما لو مش مطول انزل في أي فندق.
هز عيسى رأسه نافيا يخبره: لا أنا هطول، فلو تعرف مكان تاني أخده إيجار ماشي، أنا عارف إن الأسعار هنا غالية، بس دورلي على مكان يكون هادي في سعره شوية.
بالفعل دله الرجل على عقار يعلم صاحبه، ذهب عيسى ليستأجر فيه وحين علم الإيجار الذي يتوجب عليه دفعه سأل بسخرية: مش قليل شوية.
شعر صاحب المكان بتهكمه فرد عليه: على فكرة الشقة دي فضيت بس من كام يوم، وكان في واحد مكلمني عليها، بس علشان أنت من طرف سيد بس وافقت، وكمان سيد قالي إنك مرتاح ومش هتفرق معاك الفلوس.
مسح عيسى على عنقه سائلا: سيد قالك كده؟
هز الرجل رأسه فأردف الواقف أمامه: لا إن شاء الله ترتاحوا راحتي.
ثم تحدث في أمره قائلا: عموما أنا هدفع خلاص، وإيجار كل شهر هيوصلك إن شاء الله، بس شوفلي حد بقى ينضف المكان لو فيه…
قاطعه الرجل يبين له: متقلقش الشقة كويسة ومش محتاجة أي حاجة، بس أهم حاجة ملكش دعوة بحد من السكان، هنا محدش بيطيق يكلم حد وأنا مش عايز مشاكل.
هز عيسى رأسه موافقًا، أنهى كل شيء، وانفرد بنفسه الآن بين جدران مكان جديد، لم يكلف نفسه حتى عناء تفحصه، دخل الغرفة وتمدد على الفراش مباشرة، أخيرا بعد عناء طويل سينال قسط من الراحة، ولكن أي راحة، لا تتركه أفكاره وشأنه، وبالإضافة إلى أفكاره وجد اتصال من طاهر، قرر ألا يرد ولكن وجد رسالة صوتية على تطبيق الرسائل المختصرة، فتحها ليجده يزيد يسأله بعتاب: هو أنت مشيت ليه؟
سمعه بحزن وهو يكمل في تسجيل اخر: أنا سمعت رفيدة وهي بتعيط وبتقول لبابا يقولك
تيجي، هو أنت مش هتيجي تاني يا عيسى
أرسل له رسالة صوتية يلقي على مسامعه وعد هو نفسه لا يصدقه: لا يا يزيد أنا هخلص حاجة، وهتلاقيني عندك قريب.
قريب امتى؟
لم يجد رد ولم يرد أن يكون كاذبًا ومقابل عدم رده سمع الرسالة الصوتية الأخيرة من الصغير يهتف بنبرة باكية ظهر فيها خذلانه: أنا زعلان منك ومبحبكش، متكلمنيش تاني.
أغلق عيسى هاتفه وألقاه بإهمال وعاد من جديد يحاول محاولة يدرك أيضا أنها فاشلة للنوم.
في إحدى المقاهي الشبابية التي اعتادت شهد ارتيادها، جلست وقد اختارت طاولة في أكثر مكان يعمه الهدوء، بدا الضيق على تقاسيمها، وتنهدت بتعب قبل أن يضع النادل أمامها كوب من العصير البارد، رحل عنها وقبل أن تفعل أي شيء سمعت صوت طاهر الذي أتى للتو يسأل بانزعاج: ممكن أعرف مبترديش على التليفون ليه؟
من الصبح برن عليكي، ولما تحني وتردي تبعتي مسدج انك هنا!
كانت صامتة لا ترد على حديثه فكرر سؤاله بضيق: في إيه يا شهد؟
شوفت اللي عيسى عمله؟ هي كانت المفروض تعمل إيه تاني يا طاهر علشان ميمشيش، ملك متستاهلش منه كده
دخلت في نوبة بكاء هيستيرية، من جديد تهوى ثقتها أرضا وهي ترى علاقات من حولها تفشل وكأن الفشل هذا يخصها هي، لا تتركها تخيلاتها بأن مصير شقيقتها ستراه حتما يوما ما وسيتخلى طاهر عنها.
أدرك طاهر أن ما وصلت له بحاجة لتدخل فحثها برفق: اهدي، قومي معايا يلا.
استجابت بالفعل وقامت معه وبمجرد أن استقرت على مقعدها في سيارته سألته: هو أنت ممكن بعد كل ده تعمل زيه؟
ربت على كفها يحدثها: شهد دي مجرد وساوس، متربطيش علاقتنا بعلاقة حد، وعموما أنا كمان مش راضي عن اللي حصل، وهسافرله النهارده ومش هرجع غير بيه.
رأى الاستكانة على وجهها، فبدأ في التحرك بسيارته، ظل يقود قرابة الساعة حينما طلبت منه أن يتجول بها قليلا ثم توقف على مقربة من منزلها وطلب منها بلين: خليكي كويسة، ملك محتاجاكي دلوقتي.
عرضت عليه أن تذهب معه إلى شرم الشيخ قائلة: اجي معاك؟
فرفض عرضها مبررا: بلاش، أنتِ كمان محتاجه ترتاحي، وأنا همشي كمان ساعة.
طلبت منه أن يهاتفها فوافق وودعها ملوحًا لها بابتسامة جاهد ليرسمها حتى لا ينقل لها ضيقه مما حدث في علاقة ابن عمه وشقيقتها.
كانت على مقربة من البوابة حين أرسل لها قبل أن يغادر: سلام يا أنسة متدنية.
نجح في انتشال ضحكتها وهي تدون له هي الاخرى: كابتن سفيه.
اطمئن أنها خرجت من حالة انهيارها التي أصابتها قبل قليل، ورحل أخيرا عله يستطيع أن يجد حل مع عيسى ويكون حلًا مرضيًا للجميع.
لا يصدق أن مر يومان عليه وهو هنا، لم يستطع طاهر الوصول إليه فلا يعلم أحد مكانه هنا وهذا أقصى ما تمناه، لا يغادر المكان منذ أن استأجره إلا لبعض احتياجاته الخاصة، سمع هاتفه فقرر أخيرا الرد ولكن أتاه الرد من آخر شخص توقعه، كانت قسمت، التي قالت بعد أن تبادلا السلام: اتصلت من يومين اسأل عليك بشير قالي إنك غيرت رقمك، وقاعد في شرم، أنت نازل أجازة مع ملك ولا إيه؟
لم يرد أن تعرف شيء عما حدث فرد كاذبًا: اه، قاعدين كام يوم.
طب عايزة أشوفكم
كان هذا طلبها فهرب منه بقول: لما نرجع ان شاء الله
ولكنها أوقعته في الفخ حين ردت: لا ما أنا هنا في شرم الشيخ.
ضرب على الطاولة وهو يتأفف بانزعاج واسترسلت هي: عيسى روحت فين؟ أنا محتاجة أتكلم معاك بجد.
شعر في نبرتها بالرجاء فاضطر أن يوافق أن يلتقي بها في مكان عام وقرر اختلاق العذر لعدم قدوم ملك معه.
تحقق مرادها وتقابلا بالفعل في المكان الذي اقترحته عليه، كان صامتًا لا يتحدث حتى بادرت هي: مالك يا عم في إيه؟
رفع كتفيه يقول بهدوء: ولا حاجه، قولي أنتِ في إيه؟
ظلت تثرثر بلا انقطاع بينما في التوقيت نفسه كانت ملك تقلب في حسابه على وسيلة التواصل الاجتماعي لتجد إحداهن أشارت إليه للتو، أطلقت تركيزها على الاسم لتجدها قسمت، وقد التقطت له صورة يبدو فيها أنه غير منتبه وأرفقتها بتعليق: With my best friend.
طالعت ملك الهاتف بغضب وخاصة حين وجدت أن المنشور تم إزالته سريعًا ولم تكن تعلم أن في ناحية اخرى علا صوته بعد أن رأى ما نشرته قسمت وسألها بضيق: أنتِ استأذنتيني قبل ما تصوريني؟ ولا قبل ما تنزلي حتى؟
بدا الاستغراب على وجهها وهي تسأله بريبة: في إيه يا عيسى، حصل إيه لكل ده؟
وبعدين خلاص أنا مسحت ال post كله طالما ضايقك.
أتى النادل ليضع أمامهم الطلبات وتفاجأ بالجالس على الطاولة يقول للسيدة أمامه: لا كتر خيرك والله
وضع الأموال على الطاولة في حركة انفعالية وأكمل وهو يقوم ليرحل: اشربي بقى لوحدك.
عيسى صوتك، عيب كده احنا في مكان عام.
قالت هذا بانفعال رد عليه بضجر: سايب الأدب ليكي، أنا ماشي.
غادر وتركها خلفه تنظر في أثره بذهول لا تصدق انفعاله لمجرد صورة التقطتها له.
كان شاكر بمفرده في المكان الذي اختفى فيه بعيدا عن الأعين، فهو طبقًا للأوراق الرسمية ليس على قيد الحياة الآن، سمع دقات على الباب فطالعه بريبة قبل أن يسمع: أنا ندى يا بيري.
ترك مكانه وفتح لها الباب، طالعته ندى بانزعاج قبل أن تقول بتهكم: أهلا بالمرحوم.
تنهد محاولا استجماع صبره، أما ندى فتكونت ضغينة داخلها ناحيته منذ ذلك اليوم الذي تطاول عليها وعلى بيريهان فيه، سامحته زوجته ولكنها هي لم تنس حين هددته بإحضار الشرطة ورد ساخرا أنها لم تحضرها لزوجها جابر الذي ذاقت الويلات على يده حتى فرت هاربة منه.
نفضت كل هذه الأفكار عن رأسها وسألت: بيري فين؟
استقام ليقف أمامها ويرد ببرود: بتجيب شوية حاجات، وبعدين أنتِ مزعجة ليه؟
واحد ومراته بيقضوا يومين سوا جاية تعملي إيه؟
هو مش معالي الوزير قال حركة كل حد فيكم الأيام دي لازم تبقى بحساب.
لم تستطع ندى السكوت أكثر فواجهته: تعرف يا شاكر، علا وطنط زعلانين أوي على فراقك، هما ميعرفوش إنك لسه عايش، أنا بالصدفة كنت معدية من جنب أوضتهم سمعتهم بيتكلموا عن إن
توقفت دقيقة تصنعت أنها تتذكر ثم أكملت بشماتة: إن جريك ورا ملك هو اللي عمل فيك كده.
بدأت تعابيره تتغير تدريجيا وهي تكمل: حتى علا كانت بتقول لطنط إنك مقبلتش إن ملك اختارت غيرك، مش هكدب عليك قعدت اخد وادي مع نفسي لحد ما اكتشفت من الكلام ده إن الكداب في الحكاية أنت مش ملك.
جذبها من خصلاتها فصرخت باستنكار، لم تتوقع منه حركة كهذه بل ولم تتوقع قوله حيث هتف بعداء: أنا ممكن ادفنك هنا ومحدش هيعرفلك طريق، اوعي تكوني مفكرة نفسك كده بتخوفيني، ولا بتلوي دراعي، كان غيرك أشطر.
ثم ابتسم بسخرية وتابع وهي تطلب منه أن يترك خصلاتها: جربي كده تقولي لبيري؟ مش هتصدقك، علشان أنتِ بتقولي أي كلام، كلام رددته علا لما بعدتها عن بشير علشان عارف مصلحتها، لكن ولا كلمة من اللي قولتيها دي صح.
حين لم يتركها داهمته بقولها: بس أنا بقى مصدقة كل حرف، وقولت لعمو كمان، وأنت متقدرش تعملي أي حاجة، أنت أخرك تستخبى هنا من الناس، تستخبى هنا من عيسى.
صفعها على وجهها وهو يقول: عيسى اللي كنتي ماشية معاه وأنتِ متجوزة يا رخيصة.
صرخت فيه: أخرس، محدش كده غيرك، اللي كان عايز يغصب واحدة عليه ميبقاش راجل، زيك كده يا شاكر.
ابتعد عنها وأردف باستهانة بعد أن بصق عليها: علشان أعرفك إنك ولا حاجة، اللي عندك اعمليه…
فرجيني يلا.
سحبت حقيبتها تخرج منها هاتفها وهي تطالعه بغل ومن دون تردد هاتفت أحدهم وحين رد قالت: شاكر عايش يا بشير، وواقف قدامي أهو.
سحب شاكر الهاتف منها عنوة ليدرك أنها بالفعل تحدث صديق غريمه فأغلقه وأخرج الشريحة منه وهو يصيح بتوعد: ده أنتِ ليلتك مش معدية النهاردة.
تجاهل عيسى قسمت تماما بعدما حدث، حتى حين هاتفته في اليوم التالي لم يرد، سمع دقات على الباب فانكمش حاجبيه باستغراب، فتح ليجد أمامه أخر شخص توقعه، وأول شخص تمنى أن يراه، وجد ملك أمامه
لم يعرف ماذا يقول، تراجع ليعطيها فرصة للدخول، ولم تنتظر هي، دخلت بالفعل، وقبل أن تتفوه بأي شيء سأل: في حاجة حصلت؟
اقتربت منه تسأله بنبرة تهكمية حزينة: انتوا بقى كنتوا متفقين وجيتوا مع بعض، ولا أنت جيت وبعتلها تجيلك.
رد على اتهاماتها قائلا: قسمت هنا صدفة، وكانت فاكراكي…
بترت عبارته حين صرخت به: أنا مش عايزة اسمع منك ولا كلمة
استشاط غضبا واستدار يركل المقعد المجاور له وهو يهتف: وجاية ليه؟
لم تهتز هذه المرة إثر حركته الانفعالية بل سألته: هو أنا مكنتش أستاهل لما أقولك تقعد علشاني إنك تقعد؟
رد على سؤالها بجواب صادق: أنا بعدت علشان أقدر ألاقي نفسي تاني، أنا ضايع مني ومكنش هينفع تفضلي قاعدة مع واحدة حتى نفسه مش لاقيها، قرارك انك تطلقي كان أكتر قرار صح من يوم ما عرفنا بعض
هزت رأسها نافية وهي تخبره بخيبة: لا يا عيسى، دي كرامتك اللي مسمحتش ليك إنك يتقالك لا مرة واحدة بس، وكإنك بتعاقبني، تحب أعدلك كام مره كان المفروض أخد حق كرامتي منك ومعملتهاش.
لم يستطع الرد فألقت هي بالمحتويات المتواجدة على الطاولة بغضب وهي تصرخ: ما ترد
ثم أخبرته: مش أنت لوحدك اللي بتعرف تكسر على فكرة
كانت عيناها دامعتين وهي تسأله: نفسك اللي ملقتهاش معايا هتلاقيها مع قسمت؟
تأفف متضجرا: يادي قسمت.
وكأنها تضرب في الأرضية، تخرج فيها طاقة غضبها وهي تتحرك بهياج مرردة: متنفخش، ومتقوليش يادي قسمت، أبوك بقاله يومين بيتحايل عليك علشان يعرف أنت فين هنا، وهي عارفة.
لا وكمان خارج معاها وبتتصور، أنت ازاي وقح كده؟
أثارت جملتها الأخيرة انفعاله فهتف يبثها غضبه هو الاخر: وأنتِ مالك، مالك أنا فين ولا مع مين، أنتِ جاية هنا يعني علشان عايزة تسمعي حاجة تثبتي لنفسك بيها إني خاين ومستاهلش تضحياتك العظيمة
هز رأسه موافقا وأكمل: حاضر يا ملك، أنا بحبها وشوية وهتجوزها.
طالعها بعينين كساهما كل سخطه الذي تجمع به الآن وهو يسألها: ارتاحتي كده؟
فصرخت في وجهه تقول: أنا بكرهك، أنا لو كنت عايزاك من يومين بس تفضل ومتمشيش النهاردة أنا مش عايزة أشوف وشك تاني في أي مكان حتى لو صدفة.
ورد لها هذا بقوله: نور اللي جبرتيني أقعد معاه، كان بينقل كل حرف عني لثروت.
ورغم ذهولها وصدمتها مما قاله ولكنها قالت بحدة: قعدت معاه علشان نفسك مش علشاني، علشان تبقى كويس ومتخسرش اللي حواليك، بس أنت تستاهل تخسرهم، هما مش ذنبهم يستحملوا عقدك وقرفك واضطرابك اللي أنا استحملته، مش ذنبهم يستحملوا واحد أناني مبيشوفش غير نفسه وبس، أنت تستحق الخسارة.
وصل لأوج انفجاره، أصبح يتفوه بكلمات سيندم عليها حين يعود لوعيه، ولكن الندم لم يمنع نوبته أن تدفعه يقول بابتسامة: لو كل الخساير زي خسارتك فأنا متقبلها عادي، وأنتِ أكتر خسارة أنا سعيد بيها يا ملك، أنتِ جبانة والجبان اللي زيك يستاهل كل اللي يحصله
ولو خايفة على نفسك فعلا دلوقتي، امشي اطلعي برا.
لم تتردد لحظة واحدة في أن تصفعه، وكأن عينيها شرارتين، فعلتها دون ذرة تفكير واحدة بل وفي أكثر الأوقات الخاطئة، في وقت نوبته الأكثر عنفًا لتعلنها بكل قوتها أنه دقت طبول الحرب بينهما.
أسعار سكن لكل المصريين 7 وشروط الحجز الجديدة – احجز وحدتك الآن!
الحب والصراع في سولو ليفلينج: لماذا اختار جين وو تشا هاي إن وترك لي جوهي؟
تقلبات عوائد السندات تتأثر بسياسات ترمب التجارية
أسعار اللحوم اليوم الأحد 30-3-2025: اكتشف أحدث التغيرات الآن!
أمطار الخير تزيّن المملكة في رمضان مع توقعات بحالة مطرية غزيرة.
تشكيل ليفربول اليوم أمام ولفرهامبتون في الدوري الإنجليزي – مصربوست
ميتروفيتش يُثار حوله الجدل في صربيا بعد انتقاله الناجح إلى الهلال السعودي
الزمالك يعاني من الأخطاء التحكيمية المتكررة وهذا الأمر يثير انزعاجي