رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع والخمسون
{ياليتنا سمعنا من قائل قال: إن الهوى ذنب والحب لا يجدي}
كانت البداية بسماع عيسى دقات على الباب فانكمش حاجبيه باستغراب، فتح ليجد أمامه أخر شخص توقعه، وأول شخص تمنى أن يراه، وجد ملك أمامه
لم يعرف ماذا يقول، تراجع ليعطيها فرصة للدخول، ولم تنتظر هي، دخلت بالفعل، وقبل أن تتفوه بأي شيء سأل: في حاجة حصلت؟
اقتربت منه تسأله بنبرة تهكمية حزينة: انتوا بقى كنتوا متفقين وجيتوا مع بعض، ولا أنت جيت وبعتلها تجيلك.
رد على اتهاماتها قائلا: قسمت هنا صدفة، وكانت فاكراكي…
بترت عبارته حين صرخت به: أنا مش عايزة اسمع منك ولا كلمة
استشاط غضبا واستدار يركل المقعد المجاور له وهو يهتف: وجاية ليه؟
لم تهتز هذه المرة إثر حركته الانفعالية بل سألته: هو أنا مكنتش أستاهل لما أقولك تقعد علشاني إنك تقعد؟
رد على سؤالها بجواب صادق: أنا بعدت علشان أقدر ألاقي نفسي تاني، أنا ضايع مني ومكنش هينفع تفضلي قاعدة مع واحدة حتى نفسه مش لاقيها، قرارك انك تطلقي كان أكتر قرار صح من يوم ما عرفنا بعض
هزت رأسها نافية وهي تخبره بخيبة: لا يا عيسى، دي كرامتك اللي مسمحتش ليك إنك يتقالك لا مرة واحدة بس، وكإنك بتعاقبني، تحب أعدلك كام مره كان المفروض أخد حق كرامتي منك ومعملتهاش.
لم يستطع الرد فألقت هي بالمحتويات المتواجدة على الطاولة بغضب وهي تصرخ: ما ترد
ثم أخبرته: مش أنت لوحدك اللي بتعرف تكسر على فكرة
كانت عيناها دامعتين وهي تسأله: نفسك اللي ملقتهاش معايا هتلاقيها مع قسمت؟
تأفف متضجرا: يادي قسمت.
وكأنها تضرب في الأرضية، تخرج فيها طاقة غضبها وهي تتحرك بهياج مرردة: متنفخش، ومتقوليش يادي قسمت، أبوك بقاله يومين بيتحايل عليك علشان يعرف أنت فين هنا، وهي عارفة.
لا وكمان خارج معاها وبتتصور، أنت ازاي وقح كده؟
أثارت جملتها الأخيرة انفعاله فهتف يبثها غضبه هو الاخر: وأنتِ مالك، مالك أنا فين ولا مع مين، أنتِ جاية هنا يعني علشان عايزة تسمعي حاجة تثبتي لنفسك بيها إني خاين ومستاهلش تضحياتك العظيمة
هز رأسه موافقا وأكمل: حاضر يا ملك، أنا بحبها وشوية وهتجوزها.
طالعها بعينين كساهما كل سخطه الذي تجمع به الآن وهو يسألها: ارتاحتي كده؟
فصرخت في وجهه تقول: أنا بكرهك، أنا لو كنت عايزاك من يومين بس تفضل ومتمشيش النهاردة أنا مش عايزة أشوف وشك تاني في أي مكان حتى لو صدفة.
ورد لها هذا بقوله: نور اللي جبرتيني أقعد معاه، كان بينقل كل حرف عني لثروت.
ورغم ذهولها وصدمتها مما قاله ولكنها قالت بحدة: قعدت معاه علشان نفسك مش علشاني، علشان تبقى كويس ومتخسرش اللي حواليك، بس أنت تستاهل تخسرهم، هما مش ذنبهم يستحملوا عقدك وقرفك واضطرابك اللي أنا استحملته، مش ذنبهم يستحملوا واحد أناني مبيشوفش غير نفسه وبس، أنت تستحق الخسارة.
وصل لأوج انفجاره، أصبح يتفوه بكلمات سيندم عليها حين يعود لوعيه، ولكن الندم لم يمنع نوبته أن تدفعه يقول بابتسامة: لو كل الخساير زي خسارتك فأنا متقبلها عادي، وأنتِ أكتر خسارة أنا سعيد بيها يا ملك، أنتِ جبانة والجبان اللي زيك يستاهل كل اللي يحصله
ولو خايفة على نفسك فعلا دلوقتي، امشي اطلعي برا.
لم تتردد لحظة واحدة في أن تصفعه، وكأن عينيها شرارتين، فعلتها دون ذرة تفكير واحدة بل وفي أكثر الأوقات الخاطئة، في وقت نوبته الأكثر عنفًا لتعلنها بكل قوتها أنه دقت طبول الحرب بينهما.
كانت فعلتها خاطئة، في هذا التوقيت تحديدًا، وبانت نتائجها حين دفعها، سقطت على الأرضية سقوطًا مؤلما جاهدت لتقوم منه سريعًا، وخشت على نفسها من ردة فعله القادمة فأتت لتهرول للخارج ولكن منعتها يده، حاولت التملص منه وهي تحذره محاولة استجماع قوتها: ابعد عني، لو مبعدت…
بتر عبارتها بصراخه: اسكتي.
أغمضت عينيها بذعر، وهي تجاهد في الابتعاد عنه، وكأنها لم تتذكر إلا الآن فقط، أن في حالته هذه كان عليها تجنبه وليس صفعه، وخاصة حين تابع هو: جاية تاخدي قسمت كوبري؟
تناول هاتفه بعنف من على الطاولة وفتحه على قائمة المكالمات الفائتة لترى عدد المكالمات التي لم يرد عليها، كلها واردة من قسمت، وضعه أمام وجهها لترى وحين أبت النظر، صدم الهاتف بوجهها في حركة عدوانية وهو يقول: ما تبصي.
تأوهت إثر اصطدام الهاتف بوجهها وخشت على نفسها أن تبقى لحظة إضافية واحدة، بينما هو تردد في أذنه جملته حين تلقى من سهام صفعة كهذه وكان رده بأن حاصر عنقها بسكين وهو يقول: لا وبتمدي ايدك عليا كمان.
أسقط الواقفة أمامه على الأريكة قبل أن تفر، وتابع: عملتها واحدة قبلك، وكانت السكينة على رقبتها في لحظتها.
طالعته بإستنكار لكل حرف يتفوه به، كل ما تطوله يداه في هذه اللحظة يقوم بتكسيره، بداية من المقعد المجاور للأريكة والذي ركله بقدمه، حتى المزهرية التي تهشمت على الأرضية، كان الدور على زجاجة مشروبه المفضل والتي فتحها قبل قدومها بلحظات وبدون تردد سكب محتواها دفعة واحدة عليها، شهقت بغير تصديق، وهي ترى إثر المشروب على ملابسها، وتشعر به على وجهها، كانت البداية ضربه لها بالهاتف في وجهها، والآن سكب المشروب وتبعهما جملته والتي بان في عينيه أنه قاصدًا كل حرفٍ فيها: عايزاني أردك، حاضر أنا هردك دلوقتي.
لم تنتظر أكثر، ومسرعة انتهزت اللحظة التي غفلها، و هرولت ناحية أقرب غرفة مفتوحة بعدما علمت أن خيار باب الخروج صعب لإغلاقه إياه، دخلت الغرفة وأغلقت بابها مسرعة، استندت بكامل ثقلها على الباب في محاولة لمنعه من فتحه إن أراد، كانت حقيبتها في الخارج ففقدت حتى محاولة مهاتفة نصران الذي أتت معه إلى هنا، أخبرتها شقيقتها أن طاهر علم مكان عيسى وسيذهب له، طلبت مرافقته إلى هناك، ظن نصران أنها محاولة منها لإصلاح ما أفسداه، فاصطحبها معه هو وابنه، وعند وصولهم طلبت منه أن تتحدث معه أولا بمفردها، لم يعترض حين رأى إصرارها، ولكن لو علم بما سيحدث في الأعلى لما تركها أبدًا، كان هذا يقينها الآن، انتظرت لحظات ثم استرقت السمع فلم تعد تسمع أي صوت في الخارج، انتهت نوبته، هذا أول ما أتى إلى رأسها، بالتأكيد هو الآن في حالة الاسترخاء وتذكر أفعاله قبل دقائق، مرحلة الندم على ما فعله بلا وعي منه، تلت الدقائق دقائق اخرى، بقت في الداخل ولكن صارت أكثر هدوءا، سمعت دقات على الباب، طالعت الباب بحذر، حتى سمعته يقول مطمئنا: افتحي يا ملك، متخافيش.
فتحت الباب، كانت تطالعه بحدة، رد عليها هو بقوله: أكيد مش أنتِ اللي هتبصيلي كده بعد اللي عملتيه
فجادلته ساخرة: بجد والله؟ وبالنسبة للموبايل اللي خدته في وشي، بالنسبة للعصير اللي لسه منشفش عليا، زقك ليا، وتهديدك إنك هتردني دلوقتي حالا، كنت هتردني ازاي؟
طالعته بعينين دامعتين وهي تطالبه: رد عليا…
هزت رأسها بحسرة وهي تخبره بخيبة: ومستكتر على نفسك قلم، أنت تستاهل مية قلم علشان تفوق، لكن أنا مبقاش يفرق معايا تفوق أصلا، دي آخر مره هتشوفني فيها، واتطمن أنا كلامك مزعلنيش، علشان أنا عارفة إنك بتندم عليه دلوقتي، وقولته وأنت مش قاصده، لكن أنا كنت قاصدة كل كلمة قولتها.
قصدك يعني لما قولتي إن محدش يستحملني؟
طب ما أنا بعدت علشان أحل المشكلة، جاية ورايا ليه؟
جمدها حديثه وخاصة حين اقترب يقف أمامها مواجهًا وهو يكمل: قولتيلي نرجع ليه؟ لو كنتي قاصدة كل كلمة قولتيها من شوية، مكنتيش جيتي على الجسر و قولتيلي خليك، مكانتش رجلك جابتك لحد هنا.
أتت لتتحدث فأوقفها حين وضع إبهامه على فمها وهو يتابع بعينين لم تكذب شعورها لحظة بأنهما يكشفا كل ما بداخلها: أنتِ بس اتوجعتي علشان أنا قولتلك لا يا ملك مش هنرجع، وعندك حق أنا كنت مكانك لما طلبت منك نرجع وقولتي لا، وزعلت برضو عادي، غلطتك بس إنك فاكرة إني رفضت أرجع علشان كرامتي وجعتني لما طلبتها منك مرة وقولتي لا، مع إنك قبلها قولتي اه كتير.
أتى ليمسح عبراتها التي تتابعت على وجنتيها ولكنها أبعدت يده بعنف وهي تستمع لباقي ما عنده بنظرات جاهدت لتبدو غير مكترثة: بس أنا مرفضتش علشان كرامتي يا ملك، أنا قولتلك كتير السبب بس أنتِ عملتي مسمعتيهوش ف هقولهولك بطريقتك.
دفعها هذا لمطالعته، كانت ترغب حقا في سماع جملته التالية ولم يحرمها هو من هذا: بعدت علشان أحل عقدي يا ملك، و علشان لو معرفتش أحلهم على الأقل أبقى عايش مرتاح لإني كده كده اتعودت عليهم ومش فارق معايا، ومبقاش شايل هم حد إنه تعبان أو مش عايش الحياة اللي هو عايزها بسببي.
ردت عليه بقدر وجعها منه، كانت جملتها في مقتل: الكلام اللي أنت قولته ده كله، كنت ممكن تقوله في تلات كلمات بس، ملك أنا أناني.
ضحك مستنكرًا أن هذا أقصى ما توصلت له بعد كل حديثه لذلك جاوبها: والله لو أنتِ شايفة كده تمام، بس شيلي اسمك من الأول بقى، وخليهم كلمتين بس حفاظًا على وقتي ووقتك.
هل تفوه بهذا حقا، سألت نفسها بذهول وقبل أن تنجرف وراء تفكيرها استمعت له يسترسل: وبما إن دي اخر مرة هشوفك فيها زي ما قولتي، وبما إني أناني على حسب كلامك برضو، فأنا حابب نهاية آخر مرة تبقى كده.
مال يضع قبلته على ثغرها، لم ينتظر ثانية بعد كلمته الأخيرة، تجمدت مكانها، هل سينهي كل شيء هكذا كما أراد هو، ثم لاحظت أنامله التي تتحرك ناحية ثوبها لكشفه ليرى اسمه الذي اعتادت رسمه بالحناء فأبعدت يده وأخبرته بتحدي: شيلته يا عيسى، ولو فاكر إن باللي بتعمله.
دلوقتي ده خلاص هنرجع يبقى تنسى، أصل أنا هقول لعمو إني عايزة ورقة طلاقي رسمي منك، ولو مش عايز تمام، ثم أكملت بابتسامة: علشان نخلي نهايتها زي ما أنا بقى نفسي.
أشار على فمه متسائلا بتصنع عدم الفهم إن كانت تقصد تقبيله وأخبرها ملاوعًا: أنا معنديش مانع
فهزت رأسها نافية وهي تخبره بابتسامة: لا هخلعك.
وكأن ما قالته يضمن هو أنها لن تنفذه فأتى رده ساخرا: نهايتي أحلى وفيها feelings أكتر على فكرة.
لم ترد عليه، حتى لا تُجن، من يصدق أن هذا من كان قبل قليل يكسر كل شيء حوله، حتى هي كاد أن يفتك بها في نوبته الغاضبة، وطالت منها ما طالت، توجهت ناحية حقيبتها، وقبل أن تأخذها، لمحت هاتفه الذي صدمها به، فتناولته وقذفته ليصطدم بالحائط، ثم أخذت حقيبتها، وقبل أن ترحل سمعته يقول من الخلف بعد أن تناول الهاتف: لسه شغال، إيدك خفيفة
استدارت له تهتف بانزعاج: سيبني أضربك بيه زي ما ضربتني، وأنا اخليهولك يقف خالص.
موافق، بس أردلك بقى القلم، علشان تجربيه من إيدي.
تجاهلته وتحركت وهي تسمعه يهتف: نورتي يا ملك، كان نفسي اعزم عليكي تقعدي، بس زي ما أنتِ شايفة جولة المصارعة الحرة كسرت الشقة.
طالعته باستهزاء ترد: شقتك أنت اللي كسرتها لوحدك.
أشار على بعض الأشياء الملقاة على الأرضية قائلا: كدابة، الحاجات دي أنتِ اللي كسرتيها
ثم قلد نبرتها: زي ما أنت بتعرف تكسر، أنا كمان بعرف أكسر.
أرادت هذه المرة وبشدة أن تنهي الجولة وهي رابحة ونجحت في ذلك حين قالت جملتها التي أوجعته وهي تواجه عينيه الصافيتين: خليك كده فاكر كل حاجة، خليك هنا، بس أنا بقى هنساك، وحتى الحلو اللي ليك مش هفتكره، مش هسيب حاجة واحدة إلا لما امسحها علشان أنت متستاهلش إلا كده قصاد كسرتي منك.
اقترب من الباب، يفتحه لها حين وجدها تحاول، التقت نظراتهما ورد على قولها بجملة: أنا تعبت من الكلام، كل واحد يعمل اللي يريحه يا ملك.
رأت الحزن في عينيه وهو يختم: نورتي
وهمس جوار أذنها: وهتوحشيني.
فُتِح الباب، جاهدت لكي لا تبقى تنظر إليه، لكي لا تنساب عبراتها مرة اخرى أمامه، خرجت من هنا ولم تنظر خلفها، وقررت أن تكون هذه المرة الأخيرة، قررت أن تنفذ وعدها له حتى ولو كلفها التنفيذ روحها.
ماذا لو عرفت أن من عشت دهرًا تحقق أمانيه، لا أمانيك أنت، ليس بوالدك، من جعل عمرك كله مقارنة، تخسر فيها دائما ولا يرضى، كان وقع الأمر شديد على جابر منذ يوم أن عرف أن منصور ليس والده، حسم أمره، وحدد ما سيفعله و بعناية، قهوة والده منذ ثلاثة أيام يُوضع فيها أقراص تجعله، متعب، متراخي، غير متزن، اليوم طلب منه أن يقابل من يخصوا العمل بدلا عنه ولكن ابنه رفض وأصر أن يقابلهم هو بحجة: مينفعش، الناس جاية تتفق وطالبين يشوفوك بالاسم، لو مشوار تاني أنت عارف كنت هكفيه لوحدي.
وتم مخططه بنجاح، أنزله إلى الناس بهذه الحالة، وحين لم يستطع أن يكمل، حثه على الرحيل واستكمل هو الجلسة: معلش الحاج تعبان شوية، أنا هخلص معاكم شغل النهارده.
يفكر في كل شيء وعقله لا يتوقف ثانية، ينظر لهاتفه ولكنه في الحقيقة لا يعبأ به، حتى سمع صوت رزان تخبره وهي تدخل إلى الغرفة: هو الحاج ماله يا جابر، الشغالة تحت بتقول إنه تايه النهاردة كده وطلع ينام من دلوقتي.
وأنتِ من امتى بيهمك أمر أبويا يا رزان، خليكي في حالك.
قالها ولم يرفع عينيه عن الهاتف، فاقتربت لترى ما ينظر له، وجدته ينظر لصورة جمعته بندى، فمطت شفتيها وهي تقول باستغراب: صورة المحروسة؟ اللي يشوف كده يقول الحب كان مولع في الدرة.
تنهد قبل أن ينظر لها ويجاوبها بما لم ترد سماعه: مش عارف، هافف عليا النهاردة أشوف الحاجات اللي اختارها أبويا، وأقارنها بين اللي اختارته أنا، هو اختار ندى وأنا اختارتك أنتِ، ندى رغم عيوبها بس اسم عيلتها لوحده يشرف، إنما أنتِ…
بترت عبارته ترد عليه بانفعال بان فيه ضيقها من قوله القادم: أنا إيه؟ بتاعة بارات وبرقص للزباين؟
احتدت نبرتها وهي تخبره: ما أنت كنت واحد من اللي برقص قدامهم، ولا هو كنت حلوه في الحرام، وبقيت وحشة دلوقتي!
تصدقي اه، دمك بقى تقيل من ساعة ما بقيتي في الحلال، شكلك مش واخدة عليه.
جملة بمثابة صفعة، علمت أنها لو ردت الآن ربما طلقها للمرة الثانية لذلك اكتفت بقول: كتر خيرك يا محترم.
تاخدي 2 مليون وشقة ملكك وتطلقي؟
عرضه جمدها مكانها، لحظات ثم جاوبت: ولو قولتلك إني عايزاك أنت هتصدقني؟
هز رأسه نافيا، دلالة على عدم تصديقه، فأقسمت وقد أمسكت بكفه: أنا كل اللي كنت عايزاه من الدنيا، واحد يتجوزني، أنت اتجوزتني وأنا محيلتيش حاجة، لو طلقتني ومعايا الشقة و الفلوس هتجوز غيرك بس هيبقى طمعان فيا، لو عايز تتجوز غيري اتجوز بس خليني على ذمتك
قالت بصدق وهي تنظر لعينيه: أنا بحبك يا جابر.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها وهي تقول بحزن: ولو أنت مش عايزني يا بن الناس وعايز تطلقني، خلاص طلقني، بس شوفلي شغلانة وحتة اقعد فيها، وخليلك فلوسك.
نظر لها بهدوء قبل أن يقول ما عنده: أنا عارف إن لسانك طويل يا رزان، والكلمة مبتقعدش عندك دقيقة، و عايز منك حاجتين، عملتيهم هخليكي تقبي على وش الدنيا، معملتيهمش هتدفني مكانك.
حل الذهول عليها، لأول مرة ترى الشر في عينيه لدرجة كهذه، واسترسل هو: عايزك تنزلي بكرا السوق وبصنعة لطافة كده لسانك يجري مع دي ودي عن إن الحاج بقى يتعب ويتوه كتير، هتعرفي؟
هزت رأسها موافقة وهي تقول مسرعة: إلا أعرف.
ليكمل هو: وتجيبيلي كوثر أم شاكر للحتة اللي هقولك عليها.
ليه؟
فرد عليها معنفًا: من غير ليه.
لا يوجد أمامها خيار سوى الموافقة، أملى عليها شروطه وتركه ورحل إلى غرفة والده، الذي وجده مستيقظ ويعتدل في الفراش سائلا: هي البت لسه محضرتش الغدا؟
فرد عليه ابنه ساخرًا: ما احنا اتغدينا من شوية.
بقولك إيه يا جابر أنا بقالي يومين كده حاسس إني همدان، تعالى نروح بكرا للدكتور.
فرد عليه ابنه وهو يضغط على زر الضوء: مش فاضي.
طالعه منصور باستغراب سائلا: يعني إيه مش فاضي، ما تفضالي.
فجاوبه جابر بابتسامة: والله أنا شايف الشغل أهم من التفاهات دي دلوقتي.
صحتي تفاهات يا بن ال…
هتف بها منصور وهو يسبه فجلس جابر أمامه، وأوقفه عند هذه النقطة تحديدًا ملمحًا: الشتمة بتلزق في قفا صاحبها، وأنا ابنك، مش يبقى أنت صاحبها برضو؟
لم يصدق منصور ما تسمعه أذناه، طريقة ابنه هذه لم يرها قط في حياته، وكأنه تبدل لآخر، ولم يكن يعلم أنه ما تبدل إلا لأنه فقط حان وقت الحساب.
نزلت ملك وصعد طاهر، فتح عيسى هذه المرة بابه بسأم ليستمع إلى قول من أمامه: هو احنا هنلف وراك كتير؟ لم هدومك وبطل لعب عيال علشان هترجع معايا.
كان قوله حاسمًا: أنا مش هرجع يا طاهر و كفاية الكلام في الموضوع ده.
في نفس التوقيت كانت ملك تجاور نصران في السيارة، لاحظ امتناعها عن قول أي شيء منذ نزولها من أعلى، وعبراتها الصامتة، حتى الآن تُنكر كل ما حدث، كان سباق عبراتها يُعلن عن مدى ألمها من كل شيء أولها هو، انتبهت لنصران الجالس جوارها والذي سألها: روحتيله ليه يا ملك؟
كنت عايزه أعرف ليه.
تنهد نصران بهدوء قبل أن يردف: يوم ما عيسى جه وقالي إنكم اتفقتوا على الجواز، أنا مش هكدب عليكي رفضت، وكان عندي أسبابي، ولما لقيته عنده إصرار على الجواز قولت يمكن تيجي من عندك وترفضيه بس وافقتي.
حديثه جعلها تشرد بذكرياتها، تلك اللحظة التي اتفقا فيها سويا على الزواج ليظهر شاكر، شاركته في خطته بمحض إرادتها، وتتمنى الآن لو ما انجرفت في كل هذا، قطع شرودها صوت نصران يتابع: لما اتجوزتوا حسيت عيسى بقى أحسن، وأنتِ كمان، أنا شوفت التغيير عليكم، عملتوا حاجة حلوه أوي في حياة بعض، كل واحد فيكم لقى عند التاني يخليه كويس وعارف يعيش فمسك وكلبش فيه، ويمكن عيسى أكتر كمان.
سيل جارف من الذكريات يعصف بها الآن أوله صوتها تخبره بتخوف والدموع في مقلتيها: أنا خايفة أكون حبيتك يا عيسى
ثم تصريحه هو في دكان والدتها حين نطق بأصدق ما سمعته أذناها: عايز أقوله أنا أسف يا فريد، علشان ده دق ليكي أنتِ
وإن تجاوزت هذا كيف تتجاوز مواجهتها مع شاكر التي لم يدعمها بها سواه، كلماته حتى الآن تتردد في أذنها: أنتِ قوية يا ملك، متخليهوش يشوف الخوف في عينك.
كيف تتخطى احتضانه لها وهو يبثها أمانه الذي اكتسبه منها: خليكي متمشيش.
دمية صغيرة أخبرها أنها تشبهها لا تفارقها، رسالة دونها لها توسطها: وما أراني إلا فاقدًا لنفسي إن فقدتك
دفتر دونت فيه حبها له
الكثير والكثير، هل ينتهي كل هذا بأن كلاهما فقد نفسه.
فاقت على صوت نصران وهو يخبرها بأمر حقيقة: من كتر ما حبيتوا بعض، بقيتوا عاملين زي القطة اللي كلت عيالها، محدش فيكم بقى قادر يصبر على حال التاني، هو بيحاول بكل الطرق تفضلي معاه وتتعودي على حياته، وأنتِ بتشدي من الناحية التانية وعايزاه يمسح ماضيه كله ويستقر معاكي، أنتوا بوظتوا كل حاجة بضغطكوا على بعض، فكرتوا إنكم بتعملوا لبعض لكن الحقيقة إن أنتوا مكنتوش مقتنعين باللي بتعملوه أصلا.
نظرت له بألم وهي تسمع باقي ما لديه: أنتِ استحملتي كتير أنا عارف، بس ضغطتي عليه وعلى نفسك أكتر، فاكرة أول مرة قولتلك امشي فيها وقعدتي علشانه، لو كنتي مشيتي كان ممكن حاجات تتغير، لكن قعدتي وحجتك علشان لحد ما اتراكم كتير، علشان فجأة تطلبي الطلاق في وقت هو محتاجك فيه أوي، وفجأة هو يمشي في وقت أنتِ محتاجاه فيه، أنتوا قصاد كل حاجة حلوة اديتوها لبعض كان كل واحد فيكم عايز يملك التاني، عايزه يناسب نظام الحياة اللي هو نفسه يعيشها، ومحاولتوش حتى تعملوا ده بالتدريج، فضلتوا تدوسوا على بعض لحد ما كل حاجة باظت، وابني ذنبه أكبر في إنكم توصلوا للحيطة السد دي.
جفت دموعها، حتى الوجع صار بلا قطرات تخفف لهيبه، فقط يبكي الفؤاد بلا صوت ولكنه لم يعد يجدي، لتطلب روحها منه أن يرفق بها هامسة: كُف عن الدمعِ قلبِ المعذب
أتظنه يجدي؟
وبحسرة تختم: والله لا يجدي.
هل عليها الآن أن تقف في موضع تدافع فيه عن نفسها بعد كل ما حدث لها، وقفت ندى أمام بيريهان التي سألتها بغير تصديق: أنتِ فعلا قولتي لبشير إن شاكر عايش؟
بيري اسمعيني
صرخت فيها ابنة عمها بعد قولها هذا ردًا عليها: اسمع إيه، اسمع إنك بيعاني علشان تكسبي
نقطة عند عيسى.
صُدِمت من قولها هذا وهتفت: لا يا بيريهان، أنتِ لازم تسمعيني، أنا معملتش حاجة غلط، شاكر هو اللي…
بترت عبارتها قائلة: أنا غلطانة إني بتكلم معاكي أساسا.
وقبل أن تخرج من المكان، تأوهت عاليا، انتفضت ندى وأسرعت تقترب منها: مالك يا بيري، في إيه؟
صرخت ابنة عمها بها رافضة المساعدة: ابعدي عني.
تعالى صراخها وحاوطت معدتها فتمسكت ندى بها وهي تحثها بلهفة: بيري يلا نروح المستشفى.
لم تكد تكمل جملتها حتى سقطت ابنة عمها على الأرضية لتلمح ندى النزيف عند قدميها، فتجمدت مكانها وبقت وكأن أحدهم سرق كامل أنفاسها.
وكان الذنب في أنها هوت من لا يجدي هواه، ونست أن مع من سلمت له، الهوى ذنب والحب لا يجدي.
سعر الدولار اليوم في مصر: تحديث جديد لأحدث التغيرات في السوق
أسعار اللحوم اليوم الإثنين 17 فبراير 2025 في محلات الجزارة
منتخب الشاطئية وصيف آسيا يتألق ويحجز مكانه في كأس العالم رسميًا!
أسعار البنزين اليوم السبت 22 مارس 2025 في محطات الوقود المصرية والسولار
رواية سر خلف النقاب الفصل الخامس عشر 15 بقلم هدوء آل محمد
يا للإثارة! جدول ترتيب الدوري الإسباني يكشف قفزة مذهلة لفريق إسبانيول هذا الموسم
تشكيل الهلال الرسمي أمام الوصل الإماراتي.. خيسوس يدفع بالبدلاء
اكتشف مواصفات هاتف Samsung Galaxy A56 الجديد المخصص للفئات المتوسطة