الجمعة العظيمة.. رمزية وسجود في أقدس 12 ساعة بطقوس الأقباط الإيمانية

في أقدس أيام السنة القبطية، تعيش الكنائس الجمعة العظيمة كرحلة إيمانية تستمر 12 ساعة متواصلة، تبدأ منذ السادسة صباحًا وحتى السادسة مساءً. ينعزل الأقباط عن ضجيج الحياة للتأمل في آلام السيد المسيح، ويملأ الصمت الجنائزي المكان، وسط طقوس فريدة تجمع بين التراتيل الحزينة والسجود والرمزية الروحية. هذا اليوم يشهد ذروة التقارب العميق بين التاريخ الديني والعقيدة المسيحية.

الجمعة العظيمة: طقوس روحية تبدأ بالسجود والتراتيل

يبدأ يوم الجمعة العظيمة بصلاة باكر والساعة الثالثة، حيث يجمع الأقباط بين التأمل والصلاة التي تنقلهم إلى أجواء آلام السيد المسيح وفق العقيدة القبطية. مع حلول الساعة السادسة، يرتدي الشمامسة ملابس “التونية” البيضاء ويرفعون الترانيم الطقسية الطويلة مثل “طاي شوري الكبير” و”تي أبستولي”، وسط الألحان الجنائزية والبخور الكثيف. تُطفأ الأنوار خلال تلاوة الإنجيل كرمز للظلمة التي عمّت عند الصلب، وتجسيدًا للنصوص التوراتية مثل مزمور “رفضوني أنا الحبيب”.

تتوالى اللحظات الروحية مع صلوات تُحيطها أجواء جنائزية محملة بالرهبة، حيث تُقرأ تراتيل تحمل معاني التوبة، ويُعاد استحضار مشهد اللص التائب. تستمر الطقوس حتى تحل الساعة التاسعة، حيث تُضاف إليها ألحان متنوعة مثل “تي شوري الطويل”، ما يمنح اليوم طابعًا دراميًا يملأ المكان بخشوع فريد.

السجود والتوبة: ذروة الطقوس في الجمعة العظيمة

تشهد الساعة الحادية عشرة ذروة الطقوس الروحية، حيث يتكرر ما سبق من صلوات بصيغ متقدمة، وتنتهي بالساعة الثانية عشرة. في ختام اليوم، يُؤدى السجود الجماعي المعروف باسم “الميطانيات”، حيث ينحني الأقباط 400 مرة أثناء تكرار طلب الرحمة في لحن “يارب ارحم”. هذا الطقس يحمل انعكاسًا رمزيًا عميقًا لتجربة التوبة، ويعزز مشاعر العودة إلى الذات والتقرب إلى الله.

رمزية دفن المسيح.. ختام الجمعة العظيمة

يُختتم اليوم بطقس دفن رمزي للمسيح، حيث تُوضع صورة الصلبوت وسط الورود والحنوط، بينما يغطي المذبح بستر أبيض وتشعل الشموع. يُؤدى لحن “بيك أثرونوس”، الذي يُعد الأطول في الليتورجيا القبطية، ويستغرق تلاوته نحو 30 دقيقة. هذه المراسم تمثل لحظة تجمع فيها الطقوس بين التعبير عن الحزن والرمز الإيماني العميق.

بهذا، تُعد الجمعة العظيمة يومًا استثنائيًا في طقوس الأقباط، إذ يجمع بين التفكر الروحاني والمظاهر الرمزية، ليخلق تجربة إيمانية مكثفة تستمر في صميم وجدانهم الروحي عبر الأجيال.