الإيقاع المتسارع للتاريخ محور الدورة الخمسين لأكاديمية المملكة المغربية

تُعد أكاديمية المملكة المغربية إحدى المؤسسات الثقافية والفكرية الرائدة التي تسلط الضوء على القضايا العالمية الرهنة وتأثيراتها العميقة على الإنسان والمجتمع. وبمناسبة دورتها الخمسين، ركزت الأكاديمية على مفهوم “تسارع التاريخ”، لتناقش آثاره المختلفة على بنى المعرفة، والهوية، والوجود الإنساني. تنعقد هذه الدورة في ظل الذكرى العاشرة لإعادة تنظيم الأكاديمية، مع مشاركة نخبة من المفكرين من أربع قارات، لتعميق فهم التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم.

تسارع التاريخ: تأثيره على المجتمعات والوعي الإنساني

تناول عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم للأكاديمية، فكرة تسارع التاريخ بشكل موسّع، موضحًا أن هذه الظاهرة ليست مجرد تغير زمني، بل هي إعادة تشكيل شاملة للوعي والوجود الإنساني. وذكر أن القرون السابقة كانت تشهد تغيرات تدريجية، أما اليوم، فإن العالم يعيش تحولات كبرى بوتيرة مذهلة تجعلنا نعيد النظر في مفاهيم الزمن والحضارة. استشهد لحجمري برؤية المؤرخين العرب الكلاسكيين، كابن خلدون، الذي ربط تسارع الأحداث بالمراحل الأخيرة من الدول، وكذلك المسعودي وابن الأثير، الذين وصفوا فترات مفصلية شهدت انهيارات وتحولات كبرى. ورغم أن مفهوم تسارع التاريخ قديم، إلا أن التقنيات الحديثة والتغيرات الاقتصادية زادت من حدته، مما خلق تحديات هائلة أمام الأفراد والمجتمعات لاستيعاب الواقع المعاصر.

التسارع البيئي وكيف يؤثر على التاريخ الحديث

ركز المؤرخ البيئي جون ماكنيل في مداخلته على أن تسارع التاريخ يشمل أيضًا الإسراع البيئي، معتبرًا أن المنظومات الطاقية الحديثة، خاصةً الطاقات الأحفورية، تلعب الدور الرئيسي في إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة. أشار إلى أن استخدام الطاقات تطور بشكل محدود قبل الثورة الصناعية، ليشهد قفزات نوعية بعد الحرب العالمية الثانية، مدفوعًا بالاعتماد المفرط على النفط والفحم. لكنه سلّط الضوء أيضًا على استثمارات متزايدة في الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والريحية، والآمال بأن تشكل بديلًا للأنظمة الطاقية الحالية. واستعرض آثار الحروب على المناخ والبيئة كجزء من ديناميكيات تسارع الأحداث البيئية. وأوضح ماكنيل أن كل تسارع اقتصادي أو تقني يولّد ضغوطًا بيئية هائلة تتطلب التوقف والتفكير لضمان استدامة هذا التقدم.

إعادة التفكير في المفاهيم الفلسفية للتاريخ

يطرح تسارع التاريخ أسئلة فلسفية عميقة حول دور الإنسان في تشكيل مسارات المستقبل: هل هو فاعل أم متلقِ غير واعٍ لهذه التغيرات؟ شدّد لحجمري على أن التسارع يعكس هشاشة البنى المستقرة التي يظن البعض أنها تمثل نهاية التاريخ، فيما الحقيقة تكمن في أن هذه الظواهر تحفّز استمرارية التحول. ومع هذا، فإن الفلسفة والفكر يرسمان أدوارًا محورية في تمكين العقل من مواكبة إيقاع العصر وتأمل الآليات التي تعيد تشكيل الواقع. من جانب آخر، دعا لحجمري والمفكرون المشاركون إلى فهم وتصحيح هذه التحولات بدلاً من الوقوع في فخ السرعة، وهو ما يضمن صياغة مستقبل يتناغم مع القيم الإنسانية.

في ختام الدورة، اتفقت الآراء على أن الحل ليس في مقاومة تسارع الأحداث، بل في التكيف الواعي مع متغيرات الزمن، واستخدام الحكمة لتوجيه التحول نحو مسارات إيجابية تصون استقرار الإنسانية والطبيعة معًا.